فصل: الجزء الأول

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


الجزء الأول

‏[‏مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ‏]‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

بَرَكَةٍ مِنَ اللَّهِ وَأَمْرٍ

قُرِئَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ فِي سَنَةِ سِتٍّ وثلثمئةٍ، قَالَ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَجَّتِ الْأَلْبَابَ بَدَائِعُ حِكَمِهِ، وَخَصَمَتِ الْعُقُولَ لَطَائِفُ حُجَجِهِ وَقَطَعَتْ عُذْرَ الْمُلْحِدِينَ عَجَائِبُ صُنْعِهِ، وَهَتَفَتْ فِي أَسْمَاعِ الْعَالَمِينَ أَلْسُنُ أَدِلَّتِهِ، شَاهِدَةً أَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، الَّذِي لَا عِدْلَ لَهُ مُعَادِلٌ وَلَا مِثْلَ لَهُ مُمَاثِلٌ، وَلَا شَرِيكَ لَهُ مُظَاهِرٌ، وَلَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَلَا كُفُوًا أَحَدٌ، وَأَنَّهُ الْجَبَّارُ الَّذِي خَضَعَتْ لِجَبَرُوتِهِ الْجَبَابِرَةُ، وَالْعَزِيزُ الَّذِي ذَلَّتْ لِعِزَّتِهِ الْمُلُوكُ الْأَعِزَّةُ، وَخَشَعَتْ لِمَهَابَةِ سَطْوَتِهِ ذَوُو الْمَهَابَةِ، وَأَذْعَنَ لَهُ جَمِيعُ الْخَلْقِ بِالطَّاعَةِ طَوْعًا وَكَرْهًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الرَّعْدِ‏:‏ 15‏]‏‏.‏ فَكُلُّ مَوْجُودٍ إِلَى وَحْدَانِيَّتِهِ دَاعٍ، وَكُلُّ مَحْسُوسٍ إِلَى رُبُوبِيَّتِهِ هَادٍ، بِمَا وَسَمَهُمْ بِهِ مِنْ آثَارِ الصَّنْعَةِ، مِنْ نَقْصٍ وَزِيَادَةٍ، وَعَجْزٍ وَحَاجَةٍ، وَتَصَرُّفٍ فِي عَاهَاتٍ عَارِضَةٍ، وَمُقَارَنَةِ أَحْدَاثٍ لَازِمَةٍ، لِتَكَوُّنَ لَهُ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ‏.‏

ثُمَّ أَرْدَفَ مَا شَهِدَتْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ أَدِلَّتُهُ، وَأَكَّدَ مَا اسْتَنَارَتْ فِي الْقُلُوبِ مِنْهُ بَهْجَتُهُ، بِرُسُلٍ ابْتَعَثَهُمْ إِلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، دُعَاةً إِلَى مَا اتَّضَحَتْ لَدَيْهِمْ صِحَّتُهُ، وَثَبَتَتْ فِي الْعُقُولِ حُجَّتُهُ‏)‏ ‏{‏لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النِّسَاءِ‏:‏ 165‏]‏

وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو النُّهَى وَالْحِلْمِ‏.‏ فَأَمَدَّهُمْ بِعَوْنِهِ، وَأَبَانَهُمْ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ، بِمَا دَلَّ بِهِ عَلَى صِدْقِهِمْ مِنَ الْأَدِلَّةِ، وَأَيَّدَهُمْ بِهِ مِنَ الْحِجَجِ الْبَالِغَةِ وَالْآيِ الْمُعْجِزَةِ، لِئَلَّا يَقُولَ الْقَائِلُ مِنْهُمْ‏)‏ ‏{‏مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ 34‏]‏ فَجَعَلَهُمْ سُفَرَاءَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، وَأُمَنَاءَهُ عَلَى وَحْيِهِ، وَاخْتَصَّهُمْ بِفَضْلِهِ، وَاصْطَفَاهُمْ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ- فِيمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ مَوَاهِبِهِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ كَرَامَاتِهِ- مَرَاتِبَ مُخْتَلِفَةً، وَمَنَازِلَ مُفْتَرِقَةً، وَرَفْعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ، مُتَفَاضِلَاتٍ مُتَبَايِنَاتٍ‏.‏ فَكَرَّمَ بَعْضَهُمْ بِالتَّكْلِيمِ وَالنَّجْوَى، وَأَيَّدَ بَعْضَهُمْ بِرُوحِ الْقُدُسِ، وَخَصَّهُ بِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ أُولِي الْعَاهَةِ وَالْعَمَى، وَفَضَّلَ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ الدَّرَجَاتِ بِالْعُلْيَا، وَمِنَ الْمَرَاتِبِ بِالْعُظْمَى‏.‏ فَحَبَاهُ مِنْ أَقْسَامِ كَرَامَتِهِ بِالْقِسْمِ الْأَفْضَلِ وَخَصَّهُ مِنْ دَرَجَاتِ النُّبُوَّةِ بِالْحَظِّ الْأَجْزَلِ، وَمِنَ الْأَتْبَاعِ وَالْأَصْحَابِ بِالنَّصِيبِ الْأَوْفَرِ‏.‏ وَابْتَعَثَهُ بِالدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ، وَحَاطَّهُ وَحِيدًا، وَعَصَمَهُ فَرِيدًا، مِنْ كُلِّ جَبَّارٍ عَانِدٍ، وَكُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ حَتَّى أَظْهَرَ بِهِ الدِّينَ، وَأَوْضَحَ بِهِ السَّبِيلَ، وَأَنْهَجَ بِهِ مَعَالِمَ الْحَقِّ، وَمَحَقَ بِهِ مَنَارَ الشِّرْكِ‏.‏ وَزَهَقَ بِهِ الْبَاطِلُ، وَاضْمَحَلَّ بِهِ الضَّلَالُ وَخُدِعَ الشَّيْطَانُ وَعِبَادَةُ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ مُؤَيَّدًا بِدَلَالَةٍ عَلَى الْأَيَّامِ بَاقِيَةٍ، وَعَلَى الدُّهُورِ وَالْأَزْمَانِ ثَابِتَةٍ، وَعَلَى مَرِّ الشُّهُورِ وَالسِّنِينَ دَائِمَةٍ، يَزْدَادُ ضِيَاؤُهَا عَلَى كَرِّ الدُّهُورِ إِشْرَاقًا، وَعَلَى مَرِّ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ ائْتِلَاقًا، خِصِّيصَى مِنَ اللَّهِ لَهُ بِهَا دُونَ سَائِرِ رُسُلِهِ- الَّذِينَ قَهَرَتْهُمُ الْجَبَابِرَةُ، وَاسْتَذَلَّتْهُمُ الْأُمَمُ الْفَاجِرَةُ، فَتَعَفَّتْ بَعْدَهُمْ مِنْهُمُ الْآثَارُ، وَأَخْمَلَتْ ذِكْرْهُمُ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ- وَدُونَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُرْسَلًا إِلَى أُمَّةٍ دُونَ أُمَّةٍ، وَخَاصَّةٍ دُونَ عَامَّةٍ، وَجَمَاعَةٍ دُونَ كَافَّةٍ‏.‏

فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَرَّمْنَا بِتَصْدِيقِهِ، وَشَرَّفْنَا بِاتِّبَاعِهِ، وَجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الْإِقْرَارِ وَالْإِيمَانِ بِهِ وَبِمَا دَعَا إِلَيْهِ وَجَاءَ بِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ‏.‏

ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مِنْ جَسِيمٍ مَا خَصَّ اللَّهُ بِهِ أُمَّةَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْفَضِيلَةِ، وَشَرَّفَهُمْ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ مِنَ الْمَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ، وَحَبَاهُمْ بِهِ مِنَ الْكَرَامَةِ السّنيَّةِ، حِفْظَهُ مَا حَفِظَ عَلَيْهِمْ- جَلَّ ذِكْرُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ- مِنْ وَحْيِهِ وَتَنْـزِيلِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ عَلَى حَقِيقَةِ نُبُوَّةِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَالَةً، وَعَلَى مَا خَصَّهُ بِهِ مِنَ الْكَرَامَةِ عَلَامَةً وَاضِحَةً، وَحُجَّةً بَالِغَةً، أَبَانَهُ بِهِ مِنْ كُلِّ كَاذِبٍ وَمُفْتَرٍ، وَفَصَلَ بِهِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ كُلِّ جَاحِدٍ وَمُلْحِدٍ، وَفِرَّقَ بِهِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ كُلِّ كَافِرٍ وَمُشْرِكٍ، الَّذِي لَوِ اجْتَمَعَ جَمِيعُ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا، مِنْ جِنِّهَا وَإِنْسِهَا وَصَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهُ لَمْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا‏.‏ فَجَعَلَهُ لَهُمْ فِي دُجَى الظُّلَمِ نُورًا سَاطِعًا، وَفِي سُدَفِ الشُّبَهِ شِهَابًا لَامِعًا وَفِي مَضَلَّةَ الْمَسَالِكِ دَلِيلًا هَادِيًا، وَإِلَى سُبُلِ النَّجَاةِ وَالْحَقِّ حَادِيًا، ‏{‏يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْمَائِدَةِ‏:‏ 16‏]‏‏.‏ حَرَسَهُ بِعَيْنٍ مِنْهُ لَا تَنَامُ، وَحَاطَّهُ بِرُكْنٍ مِنْهُ لَا يُضَامُ، لَا تَهِي عَلَى الْأَيَّامِ دَعَائِمُهُ، وَلَا تَبِيدُ عَلَى طُولِ الْأَزْمَانِ مَعَالِمُهُ، وَلَا يَجُوزُ عَنْ قَصْدِ الْمَحَجَّةِ تَابِعُهُ وَلَا يَضِلُّ عَنْ سُبُلِ الْهُدَى مُصَاحِبُهُ‏.‏ مَنِ اتَّبَعَهُ فَازَ وهُدِيَ، وَمَنْ حَادَ عَنْهُ ضَلَّ وَغَوَى، فَهُوَ مَوْئِلْهُمُ الَّذِي إِلَيْهِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ يَئِلُونَ، وَمَعْقِلُهُمُ الَّذِي إِلَيْهِ فِي النَّوَازِلِ يَعْقِلُونَ وَحِصْنُهُمُ الَّذِي بِهِ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ يَتَحَصَّنُونَ، وَحِكْمَةُ رَبِّهِمُ الَّتِي إِلَيْهَا يَحْتَكِمُونَ، وَفَصْلُ قَضَائِهِ بَيْنَهُمُ الَّذِي إِلَيْهِ يَنْتَهُونَ، وَعَنِ الرِّضَى بِهِ يُصْدِرُونَ، وَحَبْلُهُ الَّذِي بِالتَّمَسُّكِ بِهِ مِنَ الْهَلَكَةِ يَعْتَصِمُونَ‏.‏

اللَّهُمَّ فَوَفِّقْنَا لِإِصَابَةِ صَوَابِ الْقَوْلِ فِي مُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ، وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَعَامِّهِ وَخَاصِّهِ، وَمُجْمَلِهِ وَمُفَسَّرِهِ، وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ، وَتَأْوِيلِ آيِهِ وَتَفْسِيرِ مُشْكَلِهِ‏.‏ وَأَلْهِمْنَا التَّمَسُّكَ بِهِ وَالِاعْتِصَامَ بِمُحْكَمِهِ، وَالثَّبَاتَ عَلَى التَّسْلِيمِ لِمُتَشَابِهِهِ‏.‏ وَأَوْزِعْنَا الشُّكْرَ عَلَى مَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ حِفْظِهِ وَالْعِلْمِ بِحُدُودِهِ‏.‏ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ قَرِيبُ الْإِجَابَةِ‏.‏ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا‏.‏

اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ، رَحِمَكُمِ اللَّهُ، أَنَّ أَحَقَّ مَا صُرِفَتْ إِلَى عِلْمِهِ الْعِنَايَةُ، وَبُلِغَتْ فِي مَعْرِفَتِهِ الْغَايَةُ، مَا كَانَ لِلَّهِ فِي الْعِلْمِ بِهِ رِضًى، وَلِلْعَالِمِ بِهِ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ هُدًى، وَأَنَّ أَجْمَعَ ذَلِكَ لِبَاغِيهِ كِتَابُ اللَّهِ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ، وَتَنْـزِيلِهِ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ، الْفَائِزُ بِجَزِيلِ الذُّخْرِ وَسَنِيِّ الْأَجْرِ تَالِيهِ، الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ‏.‏

وَنَحْنُ- فِي شَرْحِ تَأْوِيلِهِ، وَبَيَانِ مَا فِيهِ مِنْ مَعَانِيهِ- مُنْشِئُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ، كِتَابًا مُسْتَوْعِبًا لِكُلِّ مَا بِالنَّاسِ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ عِلْمِهِ جَامِعًا، وَمِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ كَافِيًا‏.‏ وَمُخْبِرُونَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِمَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنَ اتِّفَاقِ الْحُجَّةِ فِيمَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْهُ وَاخْتِلَافِهَا فِيمَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ مِنْهُ‏.‏ ومُبَيِّنُو عِلَلِ كُلِّ مَذْهَبٍ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ، وَمُوَضِّحُو الصَّحِيحِ لَدَيْنَا مِنْ ذَلِكَ، بِأَوْجَزِ مَا أَمْكَنَ مِنَ الْإِيجَازِ فِي ذَلِكَ، وَأَخْصَرِ مَا أَمْكَنَ مِنَ الِاخْتِصَارِ فِيهِ‏.‏

وَاللَّهَ نَسْأَلُ عَوْنَهُ وَتَوْفِيقَهُ لِمَا يُقَرِّبُ مِنْ مَحَابِّهِ، وَيُبْعِدُ مِنْ مَسَاخِطِهِ‏.‏ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى صَفْوَتِهِ مَنْ خَلْقِهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا‏.‏

وَأَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِهِ مِنَ الْقِيلِ فِي ذَلِكَ‏:‏ الْإِبَانَةُ عَنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي الْبِدَايَةُ بِهَا أَوْلَى، وَتَقْدِيمُهَا قَبْلَ مَا عَدَاهَا أَحْرَى‏.‏ وَذَلِكَ‏:‏ الْبَيَانُ عَمَّا فِي آيِ الْقُرْآنِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي مِنْ قِبَلِهَا يَدْخُلُ اللَّبْسُ عَلَى مَنْ لَمْ يُعَانِ رِيَاضَةَ الْعُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَمْ تَسْتَحْكِمْ مَعْرِفَتُهُ بِتَصَارِيفِ وُجُوهِ مَنْطِقِ الْأَلْسُنِ السَّلِيقِيَّةِ الطَّبِيعِيَّةِ‏.‏

الْقَوْلُ فِي الْبَيَانِ عَنِ اتِّفَاقِ مَعَانِي آيِ الْقُرْآنِ، وَمَعَانِي مَنْطِقِ مَنْ نَـزَلَ بِلِسَانِهِ الْقُرْآنُ مِنْ وَجْهِ الْبَيَانِ- وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ هُوَ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ- مَعَ الْإِبَانَةِ عَنْ فَضْلِ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ بَايَنَ الْقُرْآنُ سَائِرَ الْكَلَامِ

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ‏:‏ إِنَّ مَنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَجَسِيمِ مِنَّتِهِ عَلَى خَلْقِهِ، مَا مَنَحَهُمْ مِنْ فَضْلِ الْبَيَانِ الَّذِي بِهِ عَنْ ضَمَائِرِ صُدُورِهِمْ يُبِينُونَ، وَبِهِ عَلَى عَزَائِمِ نُفُوسِهِمْ يَدُلُّونَ، فَذَلَّلَ بِهِ مِنْهُمُ الْأَلْسُنَ وَسَهَّلَ بِهِ عَلَيْهِمُ الْمُسْتَصْعَبَ فَبِهِ إِيَّاهُ يُوَحِّدُونَ، وَإِيَّاهُ بِهِ يُسَبِّحُونَ وَيُقَدِّسُونَ، وَإِلَى حَاجَاتِهِمْ بِهِ يَتَوَصَّلُونَ، وَبِهِ بَيْنَهُمْ يَتَحَاوَرُونَ، فَيَتَعَارَفُونَ وَيَتَعَامَلُونَ‏.‏

ثُمَّ جَعَلَهُمْ، جَلَّ ذِكْرُهُ- فِيمَا مَنَحَهُمْ مِنْ ذَلِكَ- طَبَقَاتٍ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضِ دَرَجَاتٍ‏:‏ فَبَيْنَ خَطِيبٍ مُسْهِبٍ، وَذَلِقِ اللِّسَانِ مُهْذِبٍ، وَمُفْحَمٍ عَنْ نَفْسِهِ لَا يُبِينُ، وَعَيٍّ عَنْ ضَمِيرِ قَلْبِهِ لَا يُعْبِّرُ‏.‏ وَجَعَلَ أَعْلَاهُمْ فِيهِ رُتْبَةً، وَأَرْفَعَهُمْ فِيهِ دَرَجَةً، أَبْلَغَهُمْ فِيمَا أَرَادَ بِهِ بَلَاغًا، وَأَبْيَنَهُمْ عَنْ نَفْسِهِ بِهِ بَيَانًا‏.‏ ثُمَّ عَرَّفَهُمْ فِي تَنْـزِيلِهِ وَمُحَكَمِ آيِ كِتَابِهِ فَضْلَ مَا حَبَاهُمْ بِهِ مِنَ الْبَيَانِ، عَلَى مَنْ فَضَّلَهُمْ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ ذِي الْبَكَمِ وَالْمُسْتَعْجِمِ اللِّسَانِ فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الزُّخْرُفِ‏:‏ 18‏]‏‏.‏ فَقَدْ وَضَحَ إِذًا لِذَوِي الْأَفْهَامِ، وَتَبَيَّنَ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، أَنَّ فَضْلَ أَهْلِ الْبَيَانِ عَلَى أَهْلِ الْبَكَمِ وَالْمُسْتَعْجِمِ اللِّسَانِ، بِفَضْلِ اقْتِدَارِ هَذَا مِنْ نَفْسِهِ عَلَى إِبَانَةِ مَا أَرَادَ إِبَانَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِبَيَانِهِ، وَاسْتِعْجَامِ لِسَانِ هَذَا عَمَّا حَاوَلَ إِبَانَتَهُ بِلِسَانِهِ‏.‏

فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ- وَكَانَ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ بَايَنَ الْفَاضِلُ الْمَفْضُولَ فِي ذَلِكَ، فَصَارَ بِهِ فَاضِلًا وَالْآخَرُ مَفْضُولًا، هُوَ مَا وَصَفْنَا مِنْ فَضْلِ إِبَانَةِ ذِي الْبَيَانِ، عَمَّا قَصَّرَ عَنْهُ الْمُسْتَعْجِمُ اللِّسَانِ، وَكَانَ ذَلِكَ مُخْتَلِفَ الْأَقْدَارِ، مُتَفَاوِتَ الْغَايَاتِ وَالنِّهَايَاتِ- فَلَا شَكَّ أَنَّ أَعْلَى مَنَازِلِ الْبَيَانِ دَرَجَةً، وَأَسْنَى مَرَاتِبِهِ مَرْتَبَةً، أَبْلَغُهُ فِي حَاجَةِ الْمُبِينِ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَبْيَنُهُ عَنْ مُرَادِ قَائِلِهِ، وَأَقْرَبُهُ مِنْ فَهْمِ سَامِعِهِ‏.‏ فَإِنْ تَجَاوَزَ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ، وَارْتَفَعَ عَنْ وُسْعِ الْأَنَامِ، وَعَجَزَ عَنْ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ جَمِيعُ الْعِبَادِ، كَانَ حُجَّةً وَعَلَمًا لِرُسُلِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ- كَمَا كَانَ حُجَّةً وَعَلَمًا لَهَا إِحْيَاءُ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءُ الْأَبْرَصِ وَذَوِي الْعَمَى، بِارْتِفَاعِ ذَلِكَ عَنْ مَقَادِيرِ أَعْلَى مَنَازِلِ طِبِّ الْمُتَطَبِّبِينَ وَأَرْفَعِ مَرَاتِبِ عِلَاجِ الْمُعَالِجِينَ، إِلَى مَا يَعْجِزُ عَنْهُ جَمِيعُ الْعَالَمِينَ‏.‏ وَكَالَّذِي كَانَ لَهَا حُجَّةً وَعَلَمًا قَطْعُ مَسَافَةِ شَهْرَيْنِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ، بِارْتِفَاعِ ذَلِكَ عَنْ وُسْعِ الْأَنَامِ، وَتَعَذُّرِ مِثْلِهِ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى قَطْعِ الْقَلِيلِ مِنَ الْمَسَافَةِ قَادِرِينَ، وَلِلْيَسِيرِ مِنْهُ فَاعِلِينَ‏.‏

فَإِذْا كَانَ مَا وَصَفْنَا مِنْ ذَلِكَ كَالَّذِي وَصَفْنَا، فَبَيَّنَ أَنْ لَا بَيَانَ أَبْيَنُ، وَلَا حِكْمَةَ أَبْلَغُ، وَلَا مَنْطِقَ أَعْلَى، وَلَا كَلَامَ أَشْرَفُ- مِنْ بَيَانٍ وَمَنْطِقٍ تَحَدَّى بِهِ امْرُؤٌ قَوْمًا فِي زَمَانٍ هُمْ فِيهِ رُؤَسَاءُ صِنَاعَةِ الْخُطَبِ وَالْبَلَاغَةِ وَقِيلِ الشِّعْرِ وَالْفَصَاحَةِ، وَالسَّجْعِ وَالْكِهَانَةِ، عَلَى كُلِّ خَطِيبٍ مِنْهُمْ وَبَلِيغٍ، وَشَاعِرٍ مِنْهُمْ وَفَصِيحٍ، وَكُلِّ ذِي سَجْعٍ وَكِهَانَةٍ- فَسَفَّهَ أَحْلَامَهُمْ، وَقَصَّرَ بِعُقُولِهِمْ وَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِمْ، وَدَعَا جَمِيعَهُمْ إِلَى اتِّبَاعِهِ وَالْقَبُولِ مِنْهُ وَالتَّصْدِيقِ بِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ رَسُولٌ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ‏.‏ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ، وَحُجَّتَهُ عَلَى حَقِيقَةِ نُبُوَّتِهِ- مَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنَ الْبَيَانِ، وَالْحِكْمَةِ وَالْفُرْقَانِ، بِلِسَانٍ مِثْلِ أَلْسِنَتِهِمْ، وَمَنْطِقٍ مُوَافِقَةٍ مَعَانِيهِ مَعَانِيَ مَنْطِقِهِمْ‏.‏ ثُمَّ أَنْبَأَ جَمِيعَهُمْ أَنَّهُمْ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلٍ بَعْضِهِ عَجَزَةٌ، وَمِنَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ نَقَصَةٌ‏.‏ فَأَقَرَّ جَمِيعُهُمْ بِالْعَجْزِ، وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالتَّصْدِيقِ، وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالنَّقْصِ‏.‏ إِلَّا مَنْ تَجَاهَلَ مِنْهُمْ وَتَعَامَى، وَاسْتَكْبَرَ وَتَعَاشَى، فَحَاوَلَ تَكَلُّفَ مَا قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ عَنْهُ عَاجِزٌ، وَرَامَ مَا قَدْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ عَلَيْهِ غَيْرُ قَادِرٍ‏.‏ فَأَبْدَى مَنْ ضَعْفِ عَقْلِهِ مَا كَانَ مُسْتَتِرًا، وَمِنْ عِيِّ لِسَانِهِ مَا كَانَ مَصُونًا، فَأَتَى بِمَا لَا يَعْجِزُ عَنْهُ الضَّعِيفُ الْأَخْرَقُ، وَالْجَاهِلُ الْأَحْمَقُ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏وَالطَّاحِنَاتِ طَحْنًا، وَالْعَاجِنَاتِ عَجْنًا، فَالْخَابِزَاتِ خُبْزًا، وَالثَّارِدَاتِ ثَرْدًا، وَاللَّاقِمَاتِ لَقْمًا ‏"‏‏!‏ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْحَمَاقَاتِ الْمُشَبِهَةِ دَعْوَاهُ الْكَاذِبَةَ‏.‏

فَإِذْ كَانَ تَفَاضُلُ مَرَاتِبِ الْبَيَانِ، وَتَبَايُنُ مَنَازِلِ دَرَجَاتِ الْكَلَامِ، بِمَا وَصَفْنَا قَبْلُ- وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، أَحْكَمَ الْحُكَمَاءِ، وَأَحْلَمَ الْحُلَمَاءِ،- كَانَ مَعْلُومًا أَنْ أَبْيَنَ الْبَيَانِ بَيَانُهُ، وَأَفْضَلَ الْكَلَامِ كَلَامُهُ، وَأَنَّ قَدْرَ فَضْلِ بَيَانِهِ، جَلَّ ذِكْرُهُ، عَلَى بَيَانِ جَمِيعِ خَلْقِهِ، كَفَضْلِهِ عَلَى جَمِيعِ عِبَادِهِ‏.‏

فَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ- وَكَانَ غَيْرَ مُبِينٍ مِنَّا عَنْ نَفْسِهِ مَنْ خَاطَبَ غَيْرَهُ بِمَا لَا يَفْهَمُهُ عَنْهُ الْمُخَاطَبُ- كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُخَاطِبَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَحَدًا مَنْ خَلْقِهِ إِلَّا بِمَا يَفْهَمُهُ الْمُخَاطَبُ، وَلَا يُرْسِلُ إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ رَسُولًا بِرِسَالَةٍ إِلَّا بِلِسَانٍ وَبَيَانٍ يَفْهَمُهُ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِ‏.‏ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ وَالْمُرْسَلَ إِلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَفْهَمْ مَا خُوطِبَ بِهِ وَأُرْسِلَ بِهِ إِلَيْهِ، فَحَالُهُ- قَبْلَ الْخِطَابِ وَقَبْلَ مَجِيءِ الرِّسَالَةِ إِلَيْهِ وَبَعْدَهُ- سَوَاءٌ، إِذْ لَمْ يُفِدْهُ الْخِطَابُ وَالرِّسَالَةُ شَيْئًا كَانَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ جَاهِلًا‏.‏ وَاللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُخَاطِبَ خِطَابًا أَوْ يُرْسِلَ رِسَالَةً لَا تُوجِبُ فَائِدَةً لِمَنْ خُوطِبَ أَوْ أُرْسِلَتْ إِلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِينَا مِنْ فِعْلِ أَهْلِ النَّقْصِ وَالْعَبَثِ، وَاللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ مُتَعَالٍ‏.‏ وَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي مُحْكَمِ تَنْـزِيلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ 4‏]‏‏.‏ وَقَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النَّحْلِ‏:‏ 64‏]‏‏.‏ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ بِهِ مُهْتَدِيًا، مَنْ كَانَ بِمَا يُهْدَى إِلَيْهِ جَاهِلًا‏.‏

فَقَدْ تَبَيَّنَ إِذًا- بِمَا عَلَيْهِ دَلَلْنَا مِنَ الدِّلَالَةِ- أَنَّكُلَّ رَسُولٍ لِلَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَرْسَلَهُ إِلَى قَوْمٍ، فَإِنَّمَا أَرْسَلَهُ بِلِسَانِ مَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ، وَكُلَّ كِتَابٍ أَنْـزَلَهُ عَلَى نَبِيٍّ، وَرِسَالَةٍ أَرْسَلَهَا إِلَى أُمَّةٍ، فَإِنَّمَا أَنْـزَلَهُ بِلِسَانٍ مَنْ أَنْـزَلَهُ أَوْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ‏.‏ فَاتَّضَحَ بِمَا قُلْنَا وَوَصَفْنَا، أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ الَّذِي أَنْـزَلَهُ إِلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِلِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَإِذْ كَانَ لِسَانُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَبِيًّا، فَبَيِّنٌأَنَّ الْقُرْآنَ عَرَبِيٌّ‏.‏ وَبِذَلِكَ أَيْضًا نَطَقَ مُحْكَمُ تَنْـزِيلِ رَبِّنَا، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ يُوسُفَ‏:‏ 2‏]‏‏.‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهُ لَتَنْـزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الشُّعَرَاءِ‏:‏ 195‏]‏‏.‏

وَإِذْ كَانَتْ وَاضِحَةً صِحَّةُ مَا قُلْنَا- بِمَا عَلَيْهِ اسْتَشْهَدْنَا مِنَ الشَّوَاهِدِ، وَدَلَلْنَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّلَائِلِ- فَالْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ مَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِمَعَانِي كَلَامِ الْعَرَبِ مُوَافِقَةً، وَظَاهِرُهُ لِظَاهِرِ كَلَامِهَا مُلَائِمًا، وَإِنْ بَايَنَهُ كِتَابُ اللَّهِ بِالْفَضِيلَةِ الَّتِي فَضَلَ بِهَا سَائِرَ الْكَلَامِ وَالْبَيَانِ، بِمَا قَدْ تَقَدَّمَ وَصَفْنَاهُ‏.‏

فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبَيِّنٌ- إِذْ كَانَ مَوْجُودًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْإِيجَازُ وَالِاخْتِصَارُ، وَالِاجْتِزَاءُ بِالْإِخْفَاءِ مِنَ الْإِظْهَارِ، وَبِالْقِلَّةِ مِنَ الْإِكْثَارِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَاسْتِعْمَالُ الْإِطَالَةِ وَالْإِكْثَارِ، وَالتَّرْدَادِ وَالتَّكْرَارِ، وَإِظْهَارُ الْمَعَانِي بِالْأَسْمَاءِ دُونَ الْكِنَايَةِ عَنْهَا، وَالْإِسْرَارِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَالْخَبَرُ عَنِ الْخَاصِّ فِي الْمُرَادِ بِالْعَامِّ الظَّاهِرِ، وَعَنِ الْعَامِّ فِي الْمُرَادِ بِالْخَاصِّ الظَّاهِرِ، وَعَنِ الْكِنَايَةِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمُصَرَّحُ، وَعَنِ الصِّفَةِ وَالْمُرَادُ الْمَوْصُوفُ، وَعَنِ الْمَوْصُوفِ وَالْمُرَادُ الصِّفَةُ، وَتَقْدِيمُ مَا هُوَ فِي الْمَعْنَى مُؤَخَّرٌ، وَتَأْخِيرُ مَا هُوَ فِي الْمَعْنَى مُقَدَّمٌ، وَالِاكْتِفَاءُ بِبَعْضٍ مِنْ بَعْضٍ، وَبِمَا يَظْهَرُ عَمَّا يُحْذَفُ، وَإِظْهَارُ مَا حَظُّهُ الْحَذْفُ- أَنْ يَكُونَ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، فِي كُلِّ ذَلِكَ لَهُ نَظِيرًا، وَلَهُ مِثْلًا وَشَبِيهًا‏.‏

وَنَحْنُ مُبَيِّنُو جَمِيعِ ذَلِكَ فِي أَمَاكِنِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ وَأَمَدَّ مِنْهُ بِعَوْنٍ وَقُوَّةٍ‏.‏

الْقَوْلُ فِي الْبَيَانِ عَنِ الْأَحْرُفِ الَّتِي اتَّفَقَتْ فِيهَا أَلْفَاظُ الْعَرَبِ وَأَلْفَاظُ غَيْرِهَا مِنْ بَعْضِ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ‏:‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ إِنْ سَأَلْنَا سَائِلٌ فَقَالَ‏:‏ إِنَّكَ ذَكَرْتَ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُخَاطِبَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ إِلَّا بِمَا يَفْهَمُهُ، وَأَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ رِسَالَةً إِلَّا بِاللِّسَانِ الَّذِي يَفْقَهُهُ فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ فِيمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْسَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي مُوسَى‏:‏ ‏{‏يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْحَدِيدِ‏:‏ 28‏]‏، قَالَ‏:‏ الْكِفْلَانِ‏:‏ ضِعْفَانِ مِنَ الْأَجْرِ، بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ‏.‏

وَفِيمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ‏:‏ 6‏]‏ قَالَ‏:‏ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنَ اللَّيْلِ قَالُوا‏:‏ نَشَأَ‏.‏

وَفِيمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثْنَا حَكَّامٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ‏:‏ ‏{‏يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ سَبِّحِي، بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ‏؟‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَكُلُّ مَا قُلْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ ‏"‏حَدَّثَكُمْ ‏"‏ فَقَدْ حَدَّثُونَا بِهِ‏.‏

وَفِيمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ الْأَزْدِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ‏:‏ 51‏]‏ قَالَ‏:‏ هُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ الْأَسَدُ، وَبِالْفَارِسِيَّةِ شَارٍ، وَبِالنَّبَطِيَّةِ أَرَيَا، وَبِالْحَبَشِيَّةِ قَسْوَرَةٌ‏.‏

وَفِيمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثْنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ قَالَتْ قُرَيْشٌ‏:‏ لَوْلَا أُنْزِلَ هَذَا الْقُرْآنُ أَعْجَمِيًّا وَعَرَبِيًّا‏؟‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ، أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ فُصِّلَتْ‏:‏ 44‏]‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْقُرْآنِ بِكُلِّ لِسَانٍ فِيهِ‏.‏ ‏{‏حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ هُودٍ‏:‏ 82، وَسُورَةُ الْحِجْرِ‏:‏ 74‏]‏ قَالَ‏:‏ فَارِسِيَّةٌ أَعْرَبَتْ ‏"‏سِنّك وَكُلّ‏.‏

وَفِيمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، قَالَ‏:‏ فِي الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ‏.‏

وَفِيمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْكِتَابُ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهِ مِنْ غَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ‏؟‏

قِيلَ لَهُ‏:‏ إِنَّ الَّذِي قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ خَارِجٍ مِنْ مَعْنَى مَا قُلْنَا- مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا‏:‏ هَذِهِ الْأَحْرُفُ وَمَا أَشْبَهَهَا لَمْ تَكُنْ لِلْعَرَبِ كَلَامًا، وَلَا كَانَ ذَاكَ لَهَا مَنْطِقًا قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ، وَلَا كَانَتْ بِهَا الْعَرَبُ عَارِفَةً قَبْلَ مَجِيءِ الْفُرْقَانِ- فَيَكُونُ ذَلِكَ قَوْلًا لِقَوْلِنَا خِلَافًا‏.‏ وَإِنَّمَا قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ حَرْفُ كَذَا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ مَعْنَاهُ كَذَا، وَحَرْفُ كَذَا بِلِسَانِ الْعَجَمِ مَعْنَاهُ كَذَا‏.‏ وَلِمَ نَسْتَنْكِرُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْكَلَامِ مَا يَتَّفِقُ فِيهِ أَلْفَاظُ جَمِيعِ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَلْسُنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَكَيْفَ بِجِنْسَيْنِ مِنْهَا‏؟‏ كَمَا وَجَدْنَا اتِّفَاقَ كَثِيرٍ مِنْهُ فِيمَا قَدْ عَلِمْنَاهُ مِنَ الْأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَذَلِكَ كَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ وَالدَّوَاةِ وَالْقَلَمِ وَالْقِرْطَاسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ- مِمَّا يُتْعِبُ إِحْصَاؤُهُ وُيمِلُّ تَعْدَادُهُ، كَرِهْنَا إِطَالَةَ الْكِتَابِ بِذِكْرِهِ- مِمَّا اتَّفَقَتْ فِيهِ الْفَارِسِيَّةُ وَالْعَرَبِيَّةُ بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى‏.‏ وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَلْسُنِ الَّتِي نَجْهَلُ مَنْطِقَهَا وَلَا نَعْرِفُ كَلَامَهَا‏.‏

فَلَوْ أَنَّ قَائِلًا قَالَ- فِيمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي عَدَدْنَا وَأَخْبَرْنَا اتِّفَاقَهُ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِالْفَارِسِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا سَكَتْنَا عَنْ ذِكْرِهِ- ‏:‏ ذَلِكَ كُلُّهُ فَارِسِيٌّ لَا عَرَبِيٌّ، أَوْ ذَلِكَ كُلُّهُ عَرَبِيٌّ لَا فَارِسِيٌّ، أَوْ قَالَ‏:‏ بَعْضُهُ عَرَبِيٌّ وَبَعْضُهُ فَارِسِيٌّ، أَوْ قَالَ‏:‏ كَانَ مَخْرَجُ أَصْلِهِ مِنْ عِنْدِ الْعَرَبِ فَوَقْعَ إِلَى الْعَجَمِ فَنَطَقُوا بِهِ، أَوْ قَالَ‏:‏ كَانَ مَخْرَجُ أَصْلِهِ مِنْ عِنْدِ الْفُرْسِ فَوَقْعَ إِلَى الْعَرَبِ فَأَعْرَبَتْهُ- كَانَ مُسْتَجْهَلًا، لِأَنَّ الْعَرَبَ لَيْسَتْ بِأَوْلَى أَنْ تَكُونَ كَانَ مَخْرَجُ أَصْلِ ذَلِكَ مِنْهَا إِلَى الْعَجَمِ، وَلَا الْعَجَمُ أَحَقَّ أَنْ تَكُونَ كَانَ مَخْرَجُ أَصْلِ ذَلِكَ مِنْهَا إِلَى الْعَرَبِ، إِذْ كَانَ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَمَعْنًى وَاحِدٍ مَوْجُودًا فِي الْجِنْسَيْنِ‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي الْجِنْسَيْنِ، فَلَيْسَ أَحَدُ الْجِنْسَيْنِ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ أَصْلُ ذَلِكَ كَانَ مِنْ عِنْدِهِ مِنَ الْجِنْسِ الْآخَرِ‏.‏ وَالْمُدَّعِي أَنَّ مَخْرَجَ أَصْلِ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ إِلَى الْآخَرِ، مُدَّعٍ أَمْرًا لَا يُوصَلُ إِلَى حَقِيقَةِ صِحَّتِهِ إِلَّا بِخَبَرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ، وَيُزِيلُ الشَّكَّ، وَيَقْطَعُ الْعُذْرَ صِحَّتُهُ‏.‏

بَلِ الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا‏:‏ أَنْ يُسَمَّى‏:‏ عَرَبِيًّا أَعْجَمِيًّا، أَوْ حَبَشِيًّا عَرَبِيًّا، إِذْ كَانَتِ الْأُمَّتَانِ لَهُ مُسْتَعْمِلَتَيْنِ- فِي بَيَانِهَا وَمَنْطِقِهَا- اسْتِعْمَالَ سَائِرِ مَنْطِقِهَا وَبَيَانِهَا‏.‏ فَلَيْسَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ كُلِّ أُمَّةٍ مِنْهُمَا، بِأَوْلَى أَنْ يَكُونَ إِلَيْهَا مَنْسُوبًا- مِنْهُ‏.‏

فَكَذَلِكَ سَبِيلُ كُلِّ كَلِمَةٍ وَاسْمٍ اتَّفَقَتْ أَلْفَاظُ أَجْنَاسِ أُمَمٍ فِيهَا وَفِي مَعْنَاهَا، وَوُجِدَ ذَلِكَ مُسْتَعْمَلًا فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنْهَا اسْتِعْمَالَ سَائِرِ مَنْطِقِهِمْ، فَسَبِيلُ إِضَافَتِهِ إِلَى كُلِّ جِنْسٍ مِنْهَا، سَبِيلُ مَا وَصَفْنَا- مِنَ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ وَالدَّوَاةِ وَالْقَلَمِ، الَّتِي اتَّفَقَتْ أَلْسُنُ الْفُرْسِ وَالْعَرَبِ فِيهَا بِالْأَلْفَاظِ الْوَاحِدَةِ وَالْمَعْنَى الْوَاحِدِ، فِي أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ إِضَافَتُهُ إِلَى كُلِّ جِنْسٍ مِنْ تِلْكَ الْأَجْنَاسِ- اجْتِمَاعٌ وَاقْتِرَانٌ‏.‏

وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى مَنْ رَوَيْنَا عَنْهُ الْقَوْلَ فِي الْأَحْرُفِ الَّتِي مَضَتْ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ، مِنْ نِسْبَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضَ ذَلِكَ إِلَى لِسَانِ الْحَبَشَةِ، وَنِسْبَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضَ ذَلِكَ إِلَى لِسَانِ الْفُرْسِ، وَنِسْبَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضَ ذَلِكَ إِلَى لِسَانِ الرُّومِ‏.‏ لِأَنَّ مِنْ نَسَبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَى مَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ، لَمْ يَنْفِ- بِنِسْبَتِهِ إِيَّاهُ إِلَى مَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ- أَنْ يَكُونَ عَرَبِيًّا، وَلَا مَنْ قَالَ مِنْهُمْ‏:‏ هُوَ عَرَبِيٌّ، نَفَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا النِّسْبَةَ إِلَى مَنْ هُوَ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ سَائِرِ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ غَيْرِهَا‏.‏ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِثْبَاتُ دَلِيلًا عَلَى النَّفْيِ، فِيمَا لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مِنَ الْمَعَانِي، كَقَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ فُلَانٌ قَائِمٌ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ دَالًّا عَلَى أَنَّهُ غَيْرَ قَاعِدٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُ لِتَنَافِيهِمَا‏.‏ فَأَمَّا مَا جَازَ اجْتِمَاعُهُ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى‏.‏ وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ فُلَانٌ قَائِمٌ مُكَلِّمٌ فُلَانًا، فَلَيْسَ فِي تَثْبِيتِ الْقِيَامِ لَهُ مَا دَلَّ عَلَى نَفْيِ كَلَامٍ آخَرَ، لِجَوَازِ اجْتِمَاعِ ذَلِكَ فِي حَالٍ وَاحِدٍ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ‏.‏ فَقَائِلُ ذَلِكَ صَادِقٌ إِذَا كَانَ صَاحِبُهُ عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ‏.‏

فَكَذَلِكَ مَا قُلْنَا- فِي الْأَحْرُفِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَمَا أَشْبَهَهَا- غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ أَنْ يَكُونَ عَرَبِيًّا بَعْضُهَا أَعْجَمِيًّا، وَحَبَشِيًّا بَعْضُهَا عَرَبِيًّا، إِذْ كَانَ مَوْجُودًا اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ فِي كِلْتَا الْأُمَّتَيْنِ‏.‏ فَنَاسِبُ مَا نَسَبَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى إِحْدَى الْأُمَّتَيْنِ أَوْ كِلْتَيْهِمَا مُحِقٌّ غَيْرُ مُبْطِلٍ‏.‏

فَإِنَّ ظَنَّ ذُو غَبَاءٍ أَنَّ اجْتِمَاعَ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ مُسْتَحِيلٌ- كَمَا هُوَ مُسْتَحِيلٌ فِي أَنْسَابِ بَنِي آدَمَ- فَقَدْ ظَنَّ جَهْلًا‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ أَنْسَابَ بَنِي آدَمَ مَحْصُورَةٌ عَلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْأَحْزَابِ‏:‏ 5‏]‏‏.‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْمَنْطِقِ وَالْبَيَانِ، لِأَنَّ الْمَنْطِقَ إِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى مَنْ كَانَ بِهِ مَعْرُوفًا اسْتِعْمَالُهُ‏.‏ فَلَوْ عُرِفَ اسْتِعْمَالُ بَعْضِ الْكَلَامِ فِي أَجْنَاسٍ مِنَ الْأُمَمِ- جِنْسَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ- بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَمَعْنًى وَاحِدٍ، كَانَ ذَلِكَ مَنْسُوبًا إِلَى كُلِّ جِنْسٍ مِنْ تِلْكَ الْأَجْنَاسِ، لَا يَسْتَحِقُّ جِنْسٌ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ بِهِ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْأَجْنَاسِ غَيْرِهِ‏.‏ كَمَا لَوْ أَنَّ أَرْضًا بَيْنَ سَهْلٍ وَجَبَلٍ، لَهَا هَوَاءُ السَّهْلِ وَهَوَاءُ الْجَبَلِ، أَوْ بَيْنَ بَرٍّ وَبَحْرٍ، لَهَا هَوَاءُ الْبِرِّ وَهَوَاءُ الْبَحْرِ- لَمْ يَمْتَنِعْ ذُو عَقْلٍ صَحِيحٍ أَنْ يَصِفَهَا بِأَنَّهَا سَهْلِيَّةٌ جَبَلِيَّةٌ‏.‏ أَوْ بِأَنَّهَا بَرِّيَّةٌ بِحْرِيَّةٌ، إِذْ لَمْ تَكُنْ نِسْبَتُهَا إِلَى إِحْدَى صِفَتَيْهَا نَافِيَةً حَقَّهَا مِنَ النِّسْبَةِ إِلَى الْأُخْرَى‏.‏ وَلَوْ أَفْرَدَ لَهَا مُفْرِدٌ إِحْدَى صِفَتَيْهَا وَلَمْ يَسْلُبْهَا صِفَتَهَا الْأُخْرَى، كَانَ صَادِقًا مُحِقًّا‏.‏

وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْأَحْرُفِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ‏.‏

وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ، هُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ فِي الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ- عِنْدَنَا بِمَعْنَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏:‏ أَنَّ فِيهِ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ اتَّفَقَ فِيهِ لَفْظُ الْعَرَبِ وَلَفْظُ غَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي تَنْطِقُ بِهِ، نَظِيرَ مَا وَصَفْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِيمَا مَضَى‏.‏

وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُتَوَهَّمَ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ صَحِيحَةٍ، مُقِرٍّ بِكِتَابِ اللَّهِ، مِمَّنْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَرَفَ حُدُودَ اللَّهِ- أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ فَارِسِيٌّ لَا عَرَبِيٌّ، وَبَعْضُهُ نَبَطِيٌّ لَا عَرَبِيٌّ، وَبَعْضُهُ رُومِيٌّ لَا عَرَبِيٌّ، وَبَعْضُهُ حَبَشِيٌّ لَا عَرَبِيٌّ، بَعْدَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا‏.‏ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ قَوْلُ الْقَائِلِ‏:‏ الْقُرْآنُ حَبَشِيٌّ أَوْ فَارِسِيٌّ، وَلَا نِسْبَةُ مَنْ نَسَبَهُ إِلَى بَعْضِ أَلْسُنِ الْأُمَمِ الَّتِي بَعْضُهُ بِلِسَانِهِ دُونَ الْعَرَبِ- بِأَوْلَى بِالتَّطْوِيلِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ هُوَ عَرَبِيٌّ‏.‏ وَلَا قَوْلُ الْقَائِلِ‏:‏ هُوَ عَرَبِيٌّ بِأَوْلَى بِالصِّحَّةِ وَالصَّوَابِ مِنْ قَوْلِ نَاسِبِهِ إِلَى بَعْضِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي ذَكَرْنَا‏.‏ إِذْ كَانَ الَّذِي بِلِسَانٍ غَيْرِ الْعَرَبِ مِنْ سَائِرِ أَلْسُنِ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ فِيهِ، نَظِيرَ الَّذِي فِيهِ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ‏.‏

وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبَيِّنٌ إِذًا خَطَأُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقَائِلَ مِنَ السَّلَفِ‏:‏ فِي الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ، إِنَّمَا عَنِيَ بِقِيلِهِ ذَلِكَ، أَنَّ فِيهِ مِنَ الْبَيَانِ مَا لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ، وَلَا جَائِزٍ نَسْبَتُهُ إِلَى لِسَانِ الْعَرَبِ‏.‏

وَيُقَالُ لِمَنْ أَبَى مَا قُلْنَا- مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَحْرُفَ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَمَا أَشْبَهَهَا، إِنَّمَا هِيَ كَلَامُ أَجْنَاسٍ مِنَ الْأُمَمِ سِوَى الْعَرَبِ، وَقَعَتْ إِلَى الْعَرَبِ فَعَرَّبَتْهُ- ‏:‏ مَا بُرْهَانُكَ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْتَ فِي ذَلِكَ، مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ، فَقَدْ عَلِمْتَ مَنْ خَالَفَكَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ فِيهِ خِلَافَ قَوْلِكَ‏؟‏ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَنْ عَارَضَكَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ هَذِهِ الْأَحْرُفُ، وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ الْأَحْرُفِ غَيْرِهَا، أَصَّلُهَا عَرَبِيٌّ، غَيْرَ أَنَّهَا وَقَعَتْ إِلَى سَائِرِ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ غَيْرِهَا فَنَطَقَتْ كُلُّ أُمَّةٍ مِنْهَا بِبَعْضِ ذَلِكَ بِأَلْسِنَتِهَا- مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ‏؟‏

فَلَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أَلْزَمَ فِي الْآخَرِ مَثَلَهُ‏.‏

فَإِنِ اعْتَلَّ فِي ذَلِكَ بِأَقْوَالِ السَّلَفِ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا وَمَا أَشْبَهَهَا، طُولِبَ- مُطَالَبَتَنَا مَنْ تَأَوَّلَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ تَأْوِيلَهُ- بِالَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ‏.‏ وَقِيلَ لَهُ‏:‏ مَا أَنْكَرْتَ أَنْ يَكُونَ مَنْ نَسَبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ إِلَى مَنْ نَسَبَهُ مِنْ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ سِوَى الْعَرَبِ، إِنَّمَا نَسَبُهُ إِلَى إِحْدَى نِسْبَتَيْهِ الَّتِي هُوَ لَهَا مُسْتَحِقٌّ، مِنْ غَيْرِ نَفْيٍ مِنْهُ عَنْهُ النِّسْبَةَ الْأُخْرَى‏؟‏ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ‏:‏ أَرَأَيْتَ مَنْ قَالَ لِأَرْضٍ سَهْلِيَّةٍ جَبَلِيَّةٍ‏:‏ هِيَ سَهْلِيَّةٌ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَنْ تَكُونَ جَبَلِيَّةً، أَوْ قَالَ‏:‏ هِيَ جَبَلِيَّةٌ، وَلَمْ يَدْفَعْ أَنْ تَكُونَ سَهْلِيَّةً، أَنَافٍ عَنْهَا أَنْ تَكُونَ لَهَا الصِّفَةُ الْأُخْرَى بِقِيلِهِ ذَلِكَ‏؟‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏!‏ كَابَرَ عَقْلَهُ‏.‏ وَإِنْ قَالَ‏:‏ لَا قِيلَ لَهُ‏:‏ فَمَا أَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي سِجِّيلٍ‏:‏ هِيَ فَارِسِيَّةٌ، وَفِي الْقِسْطَاسِ‏:‏ هِيَ رُومِيَّةٌ- نَظِيرَ ذَلِكَ‏؟‏ وَسَأَلَ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمُ فِي الْآخَرِ مَثَلَهُ‏.‏

الْقَوْلُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ‏:‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ قَدْ دَلَّلْنَا، عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ، عَلَى أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْزَلَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ أَلْسُنِ سَائِر أَجْنَاسِ الْأُمَمِ، وَعَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مِنْهُ مَا لَيْسَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَلُغَاتِهَا‏.‏

فَنَقُولُ الْآنَ- إِذْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا- فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ بِأَيِ أَلْسُنِ الْعَرَبِ أُنْزِلَ‏:‏ أَبِأَلْسُنِ جَمِيعِهَا أَمْ بِأَلْسُنِ بَعْضِهَا‏؟‏ إِذْ كَانَتْ الْعَرَبُ، وَإِنْ جَمَعَ جَمِيعَهَا اسْمُ أَنَّهُمْ عَرَبٌ، فَهُمْ مُخْتَلِفُو الْأَلْسُنِ بِالْبَيَانِ، مُتَبَايِنُو الْمَنْطِقِ وَالْكَلَامِ‏.‏ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ- وَكَانَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ عِبَادَهُ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ الْقُرْآنَ عَرَبِيًّا وَأَنَّهُ أُنْزِلَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، ثُمَّ كَانَ ظَاهِرُهُ مُحْتَمِلًا خُصُوصًا وَعُمُومًا- لَمْ يَكُنْ لَنَا السَّبِيلُ إِلَى الْعِلْمِ بِمَا عَنَى اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مِنْ خُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ، إِلَّا بِبَيَانِ مَنْ جُعِلَ إِلَيْهِ بَيَانُ الْقُرْآنِ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ- وَكَانَتِ الْأَخْبَارُ قَدْ تَظَاهَرَتْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بِمَا حَدَّثَنَا بِهِ خِلادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ- ‏:‏ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَالْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ- ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِه‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، عَلِيمٌ حَكِيمٌ، غَفُورٌ رَحِيم‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَبَدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، لِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، وَلِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ، وَلِكُلِّ حَدٍّ مُطَّلَعٍ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مَهْرَانُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْهَجَريِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏اخْتَلَفَ رَجُلَانِ فِي سُورَةٍ، فَقَالَ هَذَا‏:‏ أَقْرَأَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَقَالَ هَذَا‏:‏ أَقْرَأَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ، قَالَ فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ اقْرَءُوا كَمَا عُلِّمْتُمْ- فَلَا أَدْرِي أَبِشَيْءٍ أُمِرَ أَمْ شَيْءٍ ابْتَدَعَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ- فَإِنَّمَا أَهَّلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمِ اخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَقَامَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا وَهُوَ لَا يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ‏)‏‏.‏ نَحْوَ هَذَا وَمَعْنَاهُ

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ- عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ ‏(‏تَمَارَيْنَا فِي سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَقُلْنَا‏:‏ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ أَوْ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ آيَةً‏.‏ قَالَ‏:‏ فَانْطَلَقْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْنَا عَلِيًّا يُنَاجِيهِ، قَالَ‏:‏ فَقُلْنَا‏:‏ إِنَّا اخْتَلَفْنَا فِي الْقِرَاءَةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَاحْمَرَّ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ‏:‏ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ بَيْنَهُمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَى عَلَيٍّ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا عَلَيٌّ‏:‏ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَقْرَءُوا كَمَا عُلِّمْتُمْ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ عِيسَى بْنِ قِرْطَاسٍ، عَنْ زَيْدِ الْقِصَار، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ‏:‏ ‏(‏كُنَّا مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَحَدَّثْنَا سَاعَةً ثُمَّ قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ أَقْرَأَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ سُورَةً، أَقْرَأَنِيهَا زَيْدٌ وَأَقْرَأَنِيهَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَاخْتَلَفَتْ قِرَاءَتُهُمْ، فَبِقِرَاءَةِ أَيِّهِمْ آخُذُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ‏:‏ وَعَلِيٌّ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ عَلَيٌّ‏:‏ لِيَقْرَأَ كُلُّ إِنْسَانٍ كَمَا عُلِّمَ، كُلٌّ حَسَنٌ جَمِيلٌ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ‏:‏ أَنِ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍِ الْقَارِيَّ أَخْبَرَاهُ‏:‏ أَنَّهُمَا «سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَؤُهَا عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَمَّا سَلَّمَ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَقُلْتُ‏:‏ مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَؤُهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏!‏ فَقُلْتُ‏:‏ كَذَبْتَ، فَوَاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُوَ أَقْرَأَنِي هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَؤُهَا‏!‏ فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، وَأَنْتَ أَقْرَأْتَنِي سُورَةَ الْفُرْقَانِ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَرْسِلْهُ يَا عُمْرُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ‏.‏ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَؤُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ هَكَذَا أُنْزِلَتْ‏.‏ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ اقْرَأْ يَا عُمْرُ‏.‏ فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ هَكَذَا أُنْزِلَتْ‏.‏ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهَا‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَغَيَّرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ‏:‏ لَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيَّ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَمْ تُقْرِئْنِي آيَةَ كَذَا وَكَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى‏!‏ قَالَ‏:‏ فَوَقَعَ فِي صَدْرِ عُمْرَ شَيْءٌ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، قَالَ‏:‏ فَضَرَبَ صَدَّرَهُ وَقَالَ‏:‏ ابْعَدْ شَيْطَانًا- قَالَهَا ثَلَاثًا- ثُمَّ قَالَ‏:‏ يَا عُمْرُ، إِنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ صَوَابٌ، مَا لَمْ تَجْعَلْ رَحْمَةً عَذَابًا أَوْ عَذَابًا رَحْمَةً‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ- يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ- عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ ‏(‏سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَسَمِعَ آيَةً عَلَى غَيْرِ مَا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى بِهِ عُمْرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا قَرَأَ آيَةَ كَذَا وَكَذَا‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ النَّخَعِيِّ، قَالَ‏:‏ ‏(‏لِمَا خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْكُوفَةَ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَوَدَّعَهُمْ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ لَا تَنَازَعُوا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَتَلَاشَى، وَلَا يَتَغَيَّرُ لِكَثْرَةِ الرَّدِّ‏.‏ وَإِنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ وَحُدُودَهُ وَفَرَائِضَهُ فِيهِ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنَ الْحَرْفَيْنِ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ يَأْمُرُ بِهِ الْآخَرُ، كَانَ ذَلِكَ الِاخْتِلَافَ‏.‏ وَلَكِنَّهُ جَامِعٌ ذَلِكَ كُلَّهُ، لَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْحُدُودُ وَلَا الْفَرَائِضُ، وَلَا شَيْءَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ‏.‏ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَتَنَازَعُ فِيهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْمُرُنَا فَنَقْرَأُ عَلَيْهِ، فَيُخْبِرُنَا أَنَّ كُلَّنَا مُحْسِنٌ‏.‏ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنِّي لَطَلَبْتُهُ، حَتَّى أَزْدَادَ عِلْمَهُ إِلَى عِلْمِي‏.‏ وَلَقَدْ قَرَأْتُ مِنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعِينَ سُورَةً، وَقَدْ كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، حَتَّى كَانَ عَامٌ قُبِضَ، فَعُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، فَكَانَ إِذَا فَرَغَ أَقْرَأُ عَلَيْهِ فَيُخْبِرُنِي أَنِّي مُحْسِنٌ‏.‏ فَمَنْ قَرَأَ عَلَى قِرَاءَتِي فَلَا يَدَعَنَّهَا رَغْبَةً عَنْهَا، وَمَنْ قَرَأَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ فَلَا يَدَعَنَّهُ رَغْبَةً عَنْهُ، فَإِنَّهُ مَنْ جَحَدَ بِآيَةٍ جَحَدَ بِهِ كُلَّهُ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يُونُسُ- وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ- جَمِيعًا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ، فَرَاجَعْتُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ فَيَزِيدُنِي، حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏)‏‏.‏ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ‏:‏ بَلَغَنِي أَنَّ تِلْكَ السَّبْعَةَ الْأَحْرُفِ، إِنَّمَا هِيَ فِي الْأَمْرِ الَّذِي يَكُونُ وَاحِدًا، لَا يَخْتَلِفُ فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَخْلَدٍ الْوَاسِطِيِّ، وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَهُ أَبُوهُ‏:‏ أَنْأُمَّ أَيُّ وبَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، أَيُّهَا قَرَأْتَ أَصَبْتَ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ، قَالَ‏:‏ أَنْبَأَنَا شُرَيْكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، يَرْفَعُهُ، قَالَ‏:‏ ‏(‏أَتَانِي مَلَكَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا‏:‏ اقْرَأْ‏.‏ قَالَ‏:‏ عَلَى كَمْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ عَلَى حَرْفٍ، قَالَ‏:‏ زِدْهُ‏.‏ حَتَّى انْتَهَى بِهِ إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُف»

حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَاسْتَزَدْتُهُ فَزَادَنِي، ثُمَّ اسْتَزَدْتُهُ فَزَادَنِي، حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَأُمَّ أَيُّوبَتُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ- يَعْنِي نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي مَخْلَدٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسَدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ السَّمَّانُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْأُمِّ أَيُّوبَ، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَمَا قَرَأْتَ أَصَبْتَ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ فُلَانٍ الْعَبْدِيِّ- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ ذَهَبَ عَنَى اسْمُهُ- ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، «عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ‏:‏ رُحْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَمِعْتُ رَجُلًا يَقْرَأُ، فَقُلْتُ‏:‏ مَنْ أَقْرَأَكُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ‏:‏ اسْتَقْرِئْ هَذَا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَقَرَأَ، فَقَالَ‏:‏ أَحْسَنْتَ‏.‏ قَالَ فَقُلْتُ‏:‏ إِنَّكَ أَقْرَأْتَنِي كَذَا وَكَذَا‏!‏ فَقَالَ‏:‏ وَأَنْتَ قَدْ أَحْسَنْتَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَقُلْتُ‏:‏ قَدْ أَحْسَنْتَ‏!‏ قَدْ أَحْسَنْتَ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْ أُبَيٍّ الشَّكَّ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَفِضْتُ عَرَقًا، وَامْتَلَأَ جَوْفِي فَرَقًا- ثُمَّ قَالَ‏:‏ إِنَ الْمَلَكَيْنِ أَتَيَانِي، فَقَالَ أَحَدُهُمَا اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ‏.‏ وَقَالَ الْآخَرُ‏:‏ زِدْهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَقُلْتُ‏:‏ زِدْنِي‏.‏ قَالَ‏:‏ اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ‏.‏ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، فَقَالَ‏:‏ اقْرَأْ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ- وَحَدَّثْنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الزَّعْفَرَانِيِّ- جَمِيعًا عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ‏:‏ مَا حَاكَ فِي صَدْرِي شَيْءٌ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، إِلَّا أَنِّي قَرَأْتُ آيَةً، فَقَرَأَهَا رَجُلٌ غَيْرَ قِرَاءَتِي، فَقُلْتُ‏:‏ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَقَالَ الرَّجُلُ‏:‏ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ فَقُلْتُ‏:‏ أَقْرَأَتْنِي آيَةَ كَذَا وَكَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى‏.‏ قَالَ الرَّجُلُ‏:‏ أَلَمْ تُقْرِئْنِي آيَةَ كَذَا وَكَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى، إِنَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَتَيَانِي، فَقَعَدَ جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِي، وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِي، فَقَالَ جِبْرِيلُ‏:‏ اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ‏.‏ وَقَالَ مِيكَائِيلُ‏:‏ اسْتَزِدْهُ، قَالَ جِبْرِيلُ‏:‏ اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ‏.‏ فَقَالَ مِيكَائِيلُ‏:‏ اسْتَزِدْهُ‏.‏ حَتَّى بَلَغَ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً- الشَّكُّ مِنْ أَبِي كُرَيْبٍ- وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ فِي حَدِيثِهِ‏:‏ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ- وَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ- وَكُلٌّ شَافٍ كَافٍ‏)‏‏.‏ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لِأَبِي كُرَيْبٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ‏.‏ وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ‏:‏ حَتَّى بَلَغَ سِتَّةَ أَحْرُفٍ، قَالَ‏:‏ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، كُلٌّ شَافٍ كَافٍ‏.‏

«حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ‏(‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏.‏

«حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ أُبَيٍّ، قَالَ‏(‏لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ عِنْدَ أَحْجَارِ الْمِرَاءِ فَقَالَ‏:‏ إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيِّينَ، مِنْهُمُ الْغُلَامُ وَالْخَادِمُ وَالشَّيْخُ الْعَاسِي وَالْعَجُوزُ، فَقَالَ جِبْرِيلُ‏:‏ فَلْيَقْرَءُوا الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏.‏ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لِأَبِي أُسَامَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ- وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْقَنَّادُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ‏:‏ ‏(‏كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ يُصَلِّي، فَقَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَرَأَ قِرَاءَةً غَيْرَ قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ، فَدَخَلْنَا جَمِيعًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ‏:‏ فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا قَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلَ هَذَا فَقَرَأَ قِرَاءَةً غَيْرَ قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ‏.‏ فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَآ، فَحَسَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنَهُمَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنَ التَّكْذِيبِ، وَلَا إِذْ كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ‏!‏ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غَشِيَنِي، ضَرَبَ فِي صَدْرِي، فَفِضْتُ عَرَقًا، كَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ فَرَقًا‏.‏ فَقَالَ لِي‏:‏ يَا أُبَيَّ، أُرْسِلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ‏:‏ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَرَدَّ عَلَيَّ فِي الثَّانِيَةِ‏:‏ أَنِ اقْرَإِِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ‏.‏ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ أَنَّ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَرَدَّ عَلَيَّ فِي الثَّالِثَةِ، أَنِ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتُكَهَا مَسْأَلَةٌ تَسْأَلُنِيهَا فَقُلْتُ‏:‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَيَّ فِيهِ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ حَتَّى إِبْرَاهِيمُ‏)‏‏.‏ إِلَّا أَنَّ ابْنَ بَيَانٍ قَالَ فِي حَدِيثِهِ‏:‏ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قَدْ أَصَبْتُمْ وَأَحْسَنْتُمْ‏.‏ وَقَالَ أَيْضًا‏:‏ فَارْفَضَضْتُ عَرَقًا‏.‏

«حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلِ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، وَقَالَ‏:‏ قَالَ لِي‏(‏أُعِيذُكَ بِاللَّهِ مِنَ الشَّكِّ وَالتَّكْذِيبِ «‏.‏ وَقَالَ أَيْضًا‏(‏إِنِ اللَّهَ أَمَرَنِي أَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَقُلْتُ‏:‏ اللَّهُمَّ رَبِّ خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي‏.‏ قَالَ‏:‏ اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ‏.‏ فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ مِنَ الْجَنَّةِ، كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى بْنِ أَبِي لَيْلَى- ‏[‏و‏]‏ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْحَكَمِ- عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي قَالَ‏:‏ ‏(‏دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ، فَقَرَأْتُ النَّحْلَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَرَأَهَا عَلَى غَيْرِ قِرَاءَتِي، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَرَأَ خِلَافَ قِرَاءَتِنَا، فَدَخْلَ نَفْسِي مِنَ الشَّكِّ وَالتَّكْذِيبِ أَشَدُّ مِمَّا كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَذْتُ بِأَيْدِيهِمَا فَأَتَيْتُ بِهِمَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَقْرِئْ هَذَيْنِ‏.‏ فَقَرَأَ أَحَدُهُمَا، فَقَالَ‏:‏ أَصَبْتَ‏.‏ ثُمَّ اسْتَقْرَأَ الْآخَرَ، فَقَالَ‏:‏ أَصَبْتَ‏.‏ فَدَخَلَ قَلْبِي أَشَدُّ مِمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الشَّكِّ وَالتَّكْذِيبِ، فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرِي، وَقَالَ‏:‏ أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنَ الشَّكِّ، وَأَخْسَأَ عَنْكَ الشَّيْطَانَ‏.‏ قَالَ إِسْمَاعِيلُ‏:‏ فَفِضْتُ عَرَقًا- وَلَمْ يَقُلْهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى- قَالَ‏:‏ فَقَالَ‏:‏ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ‏:‏ اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ‏.‏ فَقُلْتُ‏:‏ إِنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ‏.‏ حَتَّى قَالَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ لِي‏:‏ اقْرَأْ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رُدِدْتَهَا مَسْأَلَةٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَاحْتَاجَ إِلَيَّ فِيهَا الْخَلَائِقُ، حَتَّى إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، عَنِ الْحَكَمِ- هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ- عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ‏:‏ ‏(‏أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ فَقَالَ‏:‏ إِنِ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَمَنْ قَرَأَ مِنْهَا حَرْفًا فَهُوَ كَمَا قَرَأَ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ ابْنِ كَعْبٍ‏:‏ ‏(‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَ أَضَاة بَنِي غِفَارٍ، قَالَ‏:‏ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ‏.‏ قَالَ‏:‏ أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ‏.‏ ثُمَّ جَاءَهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ أَسْأَلُ اللَّهُ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ‏.‏ ثُمَّ جَاءَهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ‏:‏ إِنِ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَءُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ‏:‏ «أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَار»- فَذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ- وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ- عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏(‏سَمِعْتُ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ قِرَاءَةً تُخَالِفُ قِرَاءَتِي، ثُمَّ سَمِعْتُ آخَرَ يَقْرَءُهَا قِرَاءَةً تُخَالِفُ ذَلِكَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ‏:‏ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَيْنِ يَقْرَآنِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ، فَسَأَلْتُهُمَا‏:‏ مَنْ أَقْرَأَهُمَا‏؟‏ فَقَالَا‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ فَقُلْتُ‏:‏ لَأَذْهَبَنَّ بِكُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ خَالَفْتُمَا مَا أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحَدِهِمَا‏:‏ اقْرَأْ‏.‏ فَقَرَأَ، فَقَالَ‏:‏ أَحْسَنْتَ‏.‏ ثُمَّ قَالَ لِلْآخَرِ‏:‏ اقْرَأْ‏.‏ فَقَرَأَ، فَقَالَ‏:‏ أَحْسَنْتَ‏.‏ قَالَ أُبَيُّ‏:‏ فَوَجَدْتُ فِي نَفْسِي وَسْوَسَةَ الشَّيْطَانِ، حَتَّى احْمَرَّ وَجْهِي، فَعَرَفَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِي، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ أَخْسِئِ الشَّيْطَانَ عَنْهُ‏!‏ يَا أُبَيُّ، أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ‏.‏ فَقُلْتُ‏:‏ رَبِّ خَفِّفْ عَنِّي‏.‏ ثُمَّ أَتَانِي الثَّانِيَةَ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ‏.‏ فَقُلْتُ‏:‏ رَبِّ خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي‏.‏ ثُمَّ أَتَانِي الثَّالِثَةَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقُلْتُ مِثْلَهُ‏.‏ ثُمَّ أَتَانِي الرَّابِعَةَ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ مَسْأَلَةٌ‏.‏ فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَبِّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، يَا رَبِّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي‏.‏ وَاخْتَبَأْتُ الثَّالِثَةَ شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏ذَكَرَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَكُلٌّ يَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَهُ، فَتَقَارَآ إِلَى أُبَيٍّ، فَخَالَفَهُمَا أُبَيٌّ، فَتَقَارَءُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، اخْتَلَفْنَا فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَكُلُّنَا يَزْعُمُ أَنَّكَ أَقَرَأْتَهُ‏.‏ فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا‏:‏ اقْرَأْ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَقَرَأَ، فَقَالَ‏:‏ أَصَبْتَ‏.‏ وَقَالَ لِلْآخَرِ‏:‏ اقْرَأْ‏.‏ فَقَرَأَ خِلَافَ مَا قَرَأَ صَاحِبُهُ، فَقَالَ‏:‏ أَصَبْتَ‏.‏ وَقَالَ لِأُبَيٍّ‏:‏ اقْرَأْ‏.‏ فَقَرَأَ فَخَالَفَهُمَا، فَقَالَ‏:‏ أَصَبْتَ‏.‏ قَالَ أُبَيٌّ‏:‏ فَدَخَلَنِي مِنَ الشَّكِّ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا دَخَلَ فِيَّ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ‏:‏ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي فِي وَجْهِي، فَرَفَعَ يَدَهُ فَضَرَبَ صَدْرِي، وَقَالَ‏:‏ اسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، قَالَ‏:‏ فَفِضْتُ عَرَقًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ فَرَقًا‏.‏ وَقَالَ‏:‏ إِنَّهُ أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ‏:‏ إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ‏.‏ فَقُلْتُ‏:‏ رَبِّ خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ‏.‏ فَقُلْتُ‏:‏ رَبِّ خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ جَاءَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ‏.‏ فَقُلْتُ‏:‏ رَبِّ خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ جَاءَنِي الرَّابِعَةَ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ مَسْأَلَةٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ رَبِّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، رَبِّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، وَاخْتَبَأْتُ الثَّالِثَةَ شَفَاعَةً لِأُمَّتِي، حَتَّى إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ لِيَرْغَبُ فِيهَا‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قَالَ جِبْرِيلُ‏:‏ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ‏.‏ فَقَالَ مِيكَائِيلُ‏:‏ اسْتَزِدْهُ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ عَلَى حَرْفَيْنِ‏.‏ حَتَّى بَلَغَ سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، فَقَالَ‏:‏ كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ، مَا لَمْ يَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ، أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ‏.‏ كَقَوْلِكَ‏:‏ هَلُمَّ وَتَعَالَ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَصِيفَةَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ‏:‏ أَنْ أَبَا جُهَيْمَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ‏:‏ ‏(‏أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ هَذَا‏:‏ تَلَقَّيْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَقَالَ الْآخَرُ‏:‏ تَلَقَّيْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْـزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَلَا تَمَارَوْا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْمِرَاءَ فِيهِ كُفْرٌ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏أُنْـزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، كُلُّهَا شَافٍ كَاف‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ أَبِي عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، كُلٌّ كَافٍ شَافٍ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَةِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏قَرَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ رَجُلٌ، فَاخْتَلَفُوا فِي اللُّغَةِ، فَرَضِيَ قِرَاءَتَهُمْ كُلِّهِمْ، فَكَانَ بَنُو تَمِيمٍ أَعْرَبَ الْقَوْمِ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْعُثْمَانِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْـزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا وَلَا حَرَجَ، وَلَكِنْ لَا تَخْتِمُوا ذِكْرَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ، وَلَا ذِكْرَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ‏:‏ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلُ، وَهُوَ بِأَضَاةِ بُنِيَ غِفَار، فَقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَقَالَ‏:‏ أَسْأَلُ اللَّهَ مَغْفِرَتَهُ وَمُعَافَاتَهُ- أَوْ قَالَ‏:‏ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ- سَلِ اللَّهَ لَهُمُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّهُمْ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ‏.‏ فَانْطَلَقَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ‏.‏ قَالَ‏:‏ أَسْأَلُ اللَّهَ مَغْفِرَتَهُ وَمُعَافَاتَهُ- أَوْ قَالَ‏:‏ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ- إِنَّهُمْ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَسَلِ اللَّهَ لَهُمُ التَّخْفِيفَ‏.‏ فَانْطَلَقَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ أَسْأَلُ اللَّهَ مَغْفِرَتَهُ وَمُعَافَاتَهُ- أَوْ قَالَ‏:‏ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ- إِنَّهُمْ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، سَلِ اللَّهَ لَهُمُ التَّخْفِيفَ‏.‏ فَانْطَلَقَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ‏:‏ إِنِ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَمَنْ قَرَأَ مِنْهَا بِحَرْفٍ فَهُوَ كَمَا قَرَأَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ صَحَّ وَثَبْتَ أَنَّ الَّذِي نَـزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَلْسُنِ الْعَرَبِ الْبَعْضُ مِنْهَا دُونَ الْجَمِيعِ، إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ أَلْسُنَتَهَا وَلُغَاتِهَا أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ، بِمَا يُعْجَزُ عَنْ إِحْصَائِهِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ وَمَا بُرْهَانُكَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏نَـزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏)‏، وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏)‏، هُوَ مَا ادَّعَيْتَ- مِنْ أَنَّهُ نَـزَلَ بِسَبْعِ لُغَاتٍ، وَأُمِرَ بِقِرَاءَتِهِ عَلَى سَبْعَةِ أَلْسُنٍ- دُونَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَا قَالَهُ مُخَالِفُوكَ، مِنْ أَنَّهُ نَـزَلَ بِأَمْرٍ وَزَجْرٍ وَتَرْغِيبٍ وَتَرْهِيبٍ وَقَصَصٍ وَمَثَلٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ‏؟‏ فَقَدْ عَلِمْتَ قَائِلَ ذَلِكَ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخِيَارِ الْأَئِمَّةِ‏.‏

قِيلَ لَهُ‏:‏ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ لَمْ يَدَّعُوا أَنَّ تَأْوِيلَ الْأَخْبَارِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُنَاهَا، هُوَ مَا زَعَمْتَ أَنَّهُمْ قَالُوهُ فِي الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَـزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ دُونَ غَيْرِهِ، فَيَكُونَ ذَلِكَ لِقَوْلِنَا مُخَالِفًا، وَإِنَّمَا أَخْبَرُوا أَنَّ الْقُرْآنَ نَـزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ نَـزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ‏.‏ وَالَّذِي قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا‏.‏

وَقَدْ رَوَيْنَا- بِمِثْلِ الَّذِي قَالُوا مِنْ ذَلِكَ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، أَخْبَارًا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا بَعْضَهَا، وَنَسْتَقْصِي ذِكْرَ بَاقِيهَا بِبَيَانِهِ، إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ‏.‏

فَأَمَّا الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُنَاهُ مِنْ ذَلِكَ، فَخَبَرُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، مِنْ رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏(‏أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ مِنَ الْجَنَّةِ‏)‏‏.‏

وَالسَّبْعَةُ الْأَحْرُفِ‏:‏ هُوَ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ الْأَلْسُنُ السَّبْعَةُ‏.‏ وَالْأَبْوَابُ السَّبْعَةُ مِنَ الْجَنَّةِ‏:‏ هِيَ الْمَعَانِي الَّتِي فِيهَا، مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْقَصَصِ وَالْمَثَلِ، الَّتِي إِذَا عَمِلَ بِهَا الْعَامِلُ، وَانْتَهَى إِلَى حُدُودِهَا الْمُنْتَهِي، اسْتَوْجَبَ بِهِ الْجَنَّةَ‏.‏ وَلَيْسَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، خِلَافٌ لِشَيْءٍ مِمَّا قُلْنَاهُ‏.‏

وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ- مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏نَـزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏)‏، إِنَّمَا هُوَ أَنَّهُ نَـزَلَ بِسَبْعِ لُغَاتٍ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَاهُ مِنَ الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَسَائِرِ مَنْ قَدَّمْنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ- أَنَّهُمْ تَمَارَوْا فِي الْقُرْآنِ، فَخَالَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي نَفْسِ التِّلَاوَةِ، دُونَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي، وَأَنَّهُمُ احْتَكَمُوا فِيهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَقْرَأَ كُلَ رَجُلٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ صَوَّبَ جَمِيعَهُمْ فِي قِرَاءَتِهِمْ عَلَى اخْتِلَافِهَا، حَتَّى ارْتَابَ بَعْضُهُمْ لِتَصْوِيبِهِ إِيَّاهُمْ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي ارْتَابَ مِنْهُمْ عِنْدَ تَصْوِيبِهِ جَمِيعَهُمْ‏:‏ ‏(‏إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏)‏‏.‏

وَمَعْلُومٌ أَنْ تَمَارِيهِمْ فِيمَا تَمَارَوْا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، لَوْ كَانَ تَمَارِيًا وَاخْتِلَافًا فِيمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ تِلَاوَاتُهُمْ مِنَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لَكَانَ مُسْتَحِيلًا أَنْ يُصَوِّبَ جَمِيعَهُمْ، وَيَأْمُرَ كُلَّ قَارِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يَلْزَمَ قِرَاءَتَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ‏.‏ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَمَرَ بِفِعْلِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَفَرَضَهُ، فِي تِلَاوَةِ مَنْ دَلَّتْ تِلَاوَتُهُ عَلَى فَرْضِهِ- وَنَهَى عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ وَزَجَرَ عَنْهُ، فِي تِلَاوَةِ الَّذِي دَلَّتْ تِلَاوَتُهُ عَلَى النَّهْيِ وَالزَّجْرِ عَنْهُ، وَأَبَاحَ وَأَطْلَقَ فِعْلَ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، وَجَعَلَ لِمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ فِعْلَهُ، وَلِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يَتْرُكَهُ تَرْكَهُ فِي تِلَاوَةِ مَنْ دَلَّتْ تِلَاوَتُهُ عَلَى التَّخْيِيرِ‏!‏

وَذَلِكَ مِنْ قَائِلِهِ إِنْ قَالَهُ، إِثْبَاتُ مَا قَدْ نَفَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ تَنْـزِيلِهِ وَحُكْمِ كِتَابِهِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدٍ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النِّسَاءِ‏:‏ 82‏]‏‏.‏

وَفِي نَفْيِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ عَنْ حُكْمِ كِتَابِهِ، أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنَـزِّلْ كِتَابَهُ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِحُكْمٍ وَاحِدٍ مُتَّفِقٍ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ، لَا بِأَحْكَامٍ فِيهِمْ مُخْتَلِفَةٍ‏.‏

وَفِي صِحَّةِ كَوْنِ ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا يُبْطِلُ دَعْوَى مَنِ ادَّعَى خِلَافَ قَوْلِنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏أُنْـزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏)‏ لِلَّذِينِ تَخَاصَمُوا إِلَيْهِ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمْ فِي قِرَاءَتِهِمْ‏.‏ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ جَمِيعَهُمْ بِالثُّبُوتِ عَلَى قِرَاءَتِهِ، وَرَضِيَ قِرَاءَةَ كُلِّ قَارِئٍ مِنْهُمْ- عَلَى خِلَافِهَا قِرَاءَةَ خُصُومِهِ وَمُنَازِعِيهِ فِيهَا- وَصَوَّبَهَا‏.‏ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَصْوِيبًا فِيمَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْمَعَانِي، وَكَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏أُنْـزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏)‏ إِعْلَامًا مِنْهُ لَهُمْ أَنَّهُ نَـزَلَ بِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَسَبْعَةِ مَعَانٍ مُفْتَرِقَةٍ- كَانَ ذَلِكَ إِثْبَاتًا لِمَا قَدْ نَفَى اللَّهُ عَنْ كِتَابِهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَنَفْيًا لِمَا قَدْ أَوْجَبَ لَهُ مِنَ الِائْتِلَافِ‏.‏ مَعَ أَنَّ فِي قِيَامِ الْحُجَّةِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْضِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلَا أَذِنَ بِذَلِكَ لِأُمَّتِهِ- مَا يُغْنِي عَنِ الْإِكْثَارِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَنْفِيٌّ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ‏.‏

وَفِي انْتِفَاءِ ذَلِكَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ، وُجُوبُ صِحَّةِ الْقَوْلِ الَّذِي قُلْنَاهُ، فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏أُنْـزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏)‏، عِنْدَ اخْتِصَامِ الْمُخْتَصِمِينَ إِلَيْهِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ تِلَاوَةٍ مَا تَلَوْهُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَفَسَادِ تَأْوِيلِ قَوْلِ مَنْ خَالَفَ قَوْلَنَا فِي ذَلِكَ‏.‏

وَأَحْرَى أَنَّ الَّذِينَ تَمَارَوْا فِيمَا تَمَارَوْا فِيهِ مِنْ قِرَاءَتِهِمْ فَاحْتَكَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ عِبَادَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي كِتَابِهِ وَتَنـْزِيلِهِ بِمَا شَاءَ، وَيَنْهَى عَمَّا شَاءَ، وَيَعِدَ فِيمَا أَحَبَّ مِنْ طَاعَاتِهِ، وَيُوعِدَ عَلَى مَعَاصِيهِ، وَيَحْتِمَ لِنَبِيِّهِ وَيَعِظَهُ فِيهِ وَيَضْرِبَ فِيهِ لِعِبَادِهِ الْأَمْثَالَ- فَيُخَاصِمَ غَيْرَهُ عَلَى إِنْكَارِهِ سَمَاعَ ذَلِكَ مِنْ قَارِئِهِ‏.‏ بَلْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ كُلِّهِ كَانَ إِسْلَامُ مِنَ أَسْلَمَ مِنْهُمْ‏.‏ فَمَا الْوَجْهُ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُ إِنْكَارَ مَا أَنْكَرَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ كَانَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا مِنْهُمْ فِي الْأَلْفَاظِ وَاللُّغَاتِ‏؟‏

وَبَعْدُ، فَقَدْ أَبَانَ صِحَّةَ مَا قُلْنَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصًّا‏.‏ وَذَلِكَ الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا‏:‏ أَنَّ أَبَا كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قَالَ جِبْرِيلُ‏:‏ اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ‏.‏ قَالَ مِيكَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏:‏ اسْتَزِدْهُ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ عَلَى حَرْفَيْنِ‏.‏ حَتَّى بَلَغَ سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، فَقَالَ‏:‏ كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ، مَا لَمْ يَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِآيَةِ رَحْمَةٍ، أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ، كَقَوْلِكَ‏:‏ هَلُمَّ وَتَعَالَ‏)‏‏.‏

فَقَدْ أَوْضَحَ نَصُّ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ، إِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافُ أَلْفَاظٍ، كَقَوْلِكَ ‏"‏هَلُمَّ وَتَعَالَ ‏"‏ بِاتِّفَاقِ الْمَعَانِي، لَا بِاخْتِلَافِ مَعَانٍ مُوجِبَةٍ اخْتِلَافَ أَحْكَامٍ‏.‏

وَبِمَثَلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ صَحَّتِ الْأَخْبَارُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ السُّوَائِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ- جَمِيعًا عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ إِلَى الْقَرَأَةِ، فَوَجَدْتُهُمْ مُتَقَارِبِينَ فَاقْرَءُوا كَمَا عُلِّمْتُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ، فَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أَحَدِكُمْ‏:‏ هَلُمَّ وَتَعَالَ‏.‏

وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَمَّنْ سَمِعَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ‏:‏ مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ عَلَى حَرْفٍ فَلَا يَتَحَوَّلَنَّ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ لَأَتَيْتُهُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ‏:‏ مَنْ قَرَأَ عَلَى حَرْفٍٍ فَلَا يَتَحَوَّلَنَّ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ‏.‏

فَمَعْلُومٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ لَمْ يَعْنِ بِقَوْلِهِ هَذَا‏:‏ مَنْ قَرَأَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَلَا يَتَحَوَّلَنَّ مِنْهُ إِلَى قِرَاءَةِ مَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَمَنْ قَرَأَ مَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فَلَا يَتَحَوَّلَنَّ مِنْهُ إِلَى قِرَاءَةِ مَا فِيهِ مِنَ الْقَصَصِ وَالْمَثَلِ‏.‏ وَإِنَّمَا عَنَى رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ قَرَأَ بِحَرْفِهِ- وَحَرْفُهُ‏:‏ قِرَاءَتُهُ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ الْعَرَبُ لِقِرَاءَةِ رَجُلٍ‏:‏ حَرْفُ فُلَانٍ، وَتَقُولُ لِلْحَرْفِ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ الْمُقَطَّعَةِ‏:‏ حَرْفٌ، كَمَا تَقُولُ لِقَصِيدَةٍ مِنْ قَصَائِدِ الشَّاعِرِ‏:‏ كَلِمَةُ فُلَانٍ- فَلَا يَتَحَوَّلَنَّ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ رَغْبَةً عَنْهُ‏.‏ وَمَنْ قَرَأَ بِحَرْفِ أُبَيٍّ، أَوْ بِحَرْفِ زَيْدٍ، أَوْ بِحَرْفِ بَعْضِ مَنْ قَرَأَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ- فَلَا يَتَحَوَّلَنَّ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ رَغْبَةً عَنْهُ، فَإِنَّ الْكُفْرَ بِبَعْضِهِ كُفْرٌ بِجَمِيعِهِ، وَالْكَفْرُ بِحَرْفٍ مِنْ ذَلِكَ كُفْرٌ بِجَمِيعِهِ يَعْنِي بِالْحَرْفِ مَا وَصَفْنَا مِنْ قِرَاءَةِ بَعْضِ مَنْ قَرَأَ بِبَعْضِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ‏.‏

وَقَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ‏:‏ قَرَأَ أَنَسٌ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ‏:‏ 6‏]‏ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ‏:‏ يَا أَبَا حَمْزَةَ، إِنَّمَا هِيَ ‏"‏وَأَقْوَمُ ‏"‏ فَقَالَ‏:‏ أَقْوَمُ وَأَصْوَبُ وَأَهْيَأُ، وَاحِدٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى خَمْسَةِ أَحْرُفٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ سَالِمٍ‏:‏ أَنْ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، قَالَ‏:‏ كَانَ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ‏.‏

أَفْتَرَى الزَّاعِمَ أَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏أُنْـزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏)‏، إِنَّمَا هُوَ أَنَّهُ أُنْـزِلَ عَلَى الْأَوْجُهِ السَّبْعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْجَدَلِ وَالْقَصَصِ وَالْمَثَلِ- كَانَ يَرَى أَنَّ مُجَاهِدًا وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ لَمْ يَقْرَآ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ وَجْهَيْهِ أَوْ وُجُوهِهِ الْخَمْسَةِ دُونَ سَائِرِ مَعَانِيهِ‏؟‏ لَئِنْ كَانَ ظَنَّ ذَلِكَ بِهِمَا، لَقَدْ ظَنَّ بِهِمَا غَيْرَ الَّذِي يُعْرَفَانِ بِهِ مِنْ مَنَازِلِهِمَا مِنَ الْقُرْآنِ، وَمَعْرِفَتِهِمَا بِآيِ الْفُرْقَانِ‏!‏

وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ‏(‏نُبِّئْتُ أَنَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ جِبْرَائِيلُ‏:‏ اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ‏.‏ فَقَالَ لَهُ مِيكَائِيلُ‏:‏ اسْتَزِدْهُ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ اقْرَإِِ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ‏.‏ فَقَالَ لَهُ مِيكَائِيلُ‏:‏ اسْتَزِدْهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ‏)‏ قَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ لَا تَخْتَلِفُ فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ، وَلَا أَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ، هُوَ كَقَوْلِكَ‏:‏ تَعَالَ وَهَلُمَّ وَأَقْبِلْ، قَالَ‏:‏ وَفِي قِرَاءَتِنَا‏)‏ ‏{‏إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً‏}‏ ‏[‏سُورَةُ يس‏:‏ 29‏]‏، فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏(‏إِنْ كَانَتْ إِلَّا زَقْيَةً وَاحِدَةً‏)‏‏.‏

وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ- يَعْنِي ابْنَ الْحَبْحَابِ- «قَالَ‏:‏ كَانَ أَبُو الْعَالِيَةِ إِذَا قَرَأَ عِنْدَهُ رَجُلٌ لَمْ يَقُلْ‏:‏ ‏"‏لَيْسَ كَمَا يَقْرَأُ ‏"‏ وَإِنَّمَا يَقُولُ‏:‏ أَمَّا أَنَا فَأَقْرَأُ كَذَا وَكَذَا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، فَقَالَ‏:‏ أَرَى صَاحِبَكَ قَدْ سَمِعَ‏:‏ ‏"‏أَنَّ مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْهُ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ كُلِّهُ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ‏:‏ «أَنَّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏[‏أَنَّهُ قَالَ‏]‏‏)‏ ‏{‏إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النَّحْلِ‏:‏ 103‏]‏ إِنَّمَا اُفْتُتِنَ أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ، فَكَانَ يُمْلِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، أَوْ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ خَوَاتِمِ الْآيِ، ثُمَّ يَشْتَغِلُ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْوَحْيِ، فَيَسْتَفْهِمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ‏:‏ أَعَزِيزٌ حَكِيمٌ، أَوْ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَوْ عَزِيزٌ عَلِيمٌ‏؟‏ فَيَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَيُّ ذَلِكَ كَتَبْتَ فَهُوَ كَذَلِكَ‏.‏ فَفَتَنَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّ مُحَمَّدًا وَكَلَ ذَلِكَ إِلَيَّ، فَأَكْتُبُ مَا شِئْتُ‏)‏‏.‏ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَ لِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ مِنَ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنَ الْقُرْآنِ، أَوْ بِآيَةٍ مِنْهُ، فَقَدْ كَفَرَ بِهِ كُلِّهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ‏:‏ فَإِذْ كَانَ تَأْوِيلُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏أُنْـزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏)‏ عِنْدَكَ، مَا وَصَفْتَ، بِمَا عَلَيْهِ اسْتَشْهَدْتَ، فَأَوْجِدْنَا حَرْفًا فِي كِتَابِ اللَّهِ مَقْرُوءًا بِسَبْعِ لُغَاتٍ، فَنُحَقِّقَ بِذَلِكَ قَوْلَكَ‏.‏ وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ ذَلِكَ كَذَلِكَ‏:‏ كَانَ مَعْلُومًا بِعَدَمِكَهُ- صِحَّةُ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُ نَـزَلَ بِسَبْعَةِ مَعَانٍ، وَهُوَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالْجَدَلُ وَالْقَصَصُ وَالْمَثَلُ- وَفَسَادُ قَوْلِكَ‏.‏ أَوْ تَقُولَ فِي ذَلِكَ‏:‏ إِنَّ الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ لُغَاتٌ فِي الْقُرْآنِ سَبْعٌ، مُتَفَرِّقَةٌ فِي جَمِيعِهِ، مِنْ لُغَاتِ أَحْيَاءٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ مُخْتَلِفَةِ الْأَلْسُنِ- كَمَا كَانَ يَقُولُهُ بَعْضُ مَنْ لَمْ يُنَعِمِ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ‏.‏ فَتَصِيرُ بِذَلِكَ إِلَى الْقَوْلِ بِمَا لَا يَجْهَلُ فَسَادَهُ ذُو عَقْلٍ، وَلَا يَلْتَبِسُ خَطَؤُهُ عَلَى ذِي لُبٍّ‏.‏

وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخْبَارَ الَّتِي بِهَا احْتَجَجْتَ لِتَصْحِيحِ مَقَالَتِكَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏نَـزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏)‏، هِيَ الْأَخْبَارُ الَّتِي رَوَيْتَهَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَعَمَّنْ رَوَيْتَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَنَّهُمْ تَمَارَوْا فِي تِلَاوَةِ بَعْضِ الْقُرْآنِ، فَاخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَتِهِ دُونَ تَأْوِيلِهِ، وَأَنْكَرَ بَعْضٌ قِرَاءَةَ بَعْضٍ، مَعَ دَعْوَى كُلِّ قَارِئٍ مِنْهُمْ قِرَاءَةً مِنْهَا‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَهُ مَا قَرَأَ بِالصِّفَةِ الَّتِي قَرَأَ‏.‏ ثُمَّ احْتَكَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ، أَنْ صَوَّبَ قِرَاءَةَ كُلِّ قَارِئٍ مِنْهُمْ، عَلَى خِلَافِهَا قِرَاءَةَ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ نَازَعُوهُ فِيهَا، وَأَمَرَ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقْرَأَ كَمَا عُلِّمَ، حَتَّى خَالَطَ قَلْبَ بَعْضِهِمُ الشَّكُّ فِي الْإِسْلَامِ، لِمَا رَأَى مِنْ تَصْوِيبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَةَ كُلِّ قَارِئٍ مِنْهُمْ عَلَى اخْتِلَافِهَا‏.‏ ثُمَّ جَلَّاهُ اللَّهُ عَنْهُ بِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ‏:‏ ‏(‏أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْـزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏)‏‏.‏

فَإِنْ كَانَتْ الْأَحْرُفُ السَّبْعَةُ الَّتِي نَـزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ، عِنْدَكَ- كَمَا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ- مُتَفَرِّقَةً فِي الْقُرْآنِ، مُثَبَّتَةً الْيَوْمَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَقَدْ بَطَلَتْ مَعَانِي الْأَخْبَارِ الَّتِي رَوَيْتَهَا عَمَّنْ رَوَيْتَهَا عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَةِ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ كُلًّا أَنْ يَقْرَأَ كَمَا عُلِّمَ‏.‏ لِأَنَّ الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ إِذَا كَانَتْ لُغَاتٍ مُتَفَرِّقَةً فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، فَغَيْرُ مُوجِبٍ حَرْفٌ مِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافًا بَيْنَ تَالِيهِ لِأَنَّ كُلَّ تَالٍ فَإِنَّمَا يَتْلُو ذَلِكَ الْحَرْفَ تِلَاوَةً وَاحِدَةً عَلَى مَا هُوَ بِهِ فِي الْمُصْحَفِ، وَعَلَى مَا أُنْـزِلَ‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، بَطَلَ وَجْهُ اخْتِلَافِ الَّذِينَ رُوِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَةِ سُورَةٍ، وَفَسَدَ مَعْنَى أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ قَارِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَى مَا عُلِّمَ‏.‏ إِذْ كَانَ لَا مَعْنَى هُنَالِكَ يُوجِبُ اخْتِلَافًا فِي لَفْظٍ، وَلَا افْتِرَاقًا فِي مَعْنًى‏.‏ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْقَوْمِ، وَالْمُعَلِّمِ وَاحِدٌ، وَالْعِلْمُ وَاحِدٌ غَيْرُ ذِي أَوْجُهٍ‏؟‏ وَفِي صِحَّةِ الْخَبَرِ عَنِ الَّذِينَ رُوِيَ عَنْهُمُ الِاخْتِلَافُ فِي حُرُوفِ الْقُرْآنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا وَتَحَاكَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَصْفُنَاهُ- أَبْيَنُ الدَّلَالَةَ عَلَى فَسَادِ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ إِنَّمَا هِيَ أَحْرُفٌ سَبْعَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِي سُوَرِ الْقُرْآنِ، لَا أَنَّهَا لُغَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِاتِّفَاقِ الْمَعَانِي‏.‏

مَعَ أَنَّ الْمُتَدَبِّرَ إِذَا تَدَبَّرَ قَوْلَ هَذَا الْقَائِلِ- فِي تَأْوِيلِهِ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏أُنْـزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُف‏)‏، وَادِّعَائِهِ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا سَبْعُ لُغَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ قِيلِهِ ذَلِكَ، وَاعْتِلَالِهِ لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ عَمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ هُوَ بِمَنْـزِلَةِ قَوْلِكَ تَعَالَ وَهَلُمَّ وَأَقْبِلْ، وَأَنْ بَعْضَهُمْ قَالَ‏:‏ هُوَ بِمَنْـزِلَةِ قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ ‏"‏إلَّا زَقْيَةً ‏"‏، وَهِيَ فِي قِرَاءَتِنَا ‏"‏إِلَّا صَيْحَة‏"‏ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ حُجَجِهِ- عَلِمَ أَنَّ حُجَجَهُ مُفْسِدَةٌ فِي ذَلِكَ مَقَالَتَهُ، وَأَنَّ مَقَالَتَهُ فِيهِ مُضَادَّةٌ حُجَجَهُ‏.‏

لِأَنَّ الَّذِي نَـزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ عِنْدَهُ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ- ‏:‏ إِمَّا ‏"‏صَيْحَة ‏"‏، وَإِمَّا ‏"‏زَقْيَةً ‏"‏وَإِمَّا ‏"‏تَعَال‏"‏ أَوْ ‏"‏أَقْبِلْ ‏"‏أَوْ ‏"‏هَلُم‏"‏- لَا جَمِيعَ ذَلِكَ‏.‏ لِأَنَّ كُلَّ لُغَةٍ مِنَ اللُّغَاتِ السَّبْعِ عِنْدَهُ فِي كَلِمَةٍ أَوْ حَرْفٍ مِنَ الْقُرْآنِ، غَيْرُ الْكَلِمَةِ أَوِ الْحَرْفِ الَّذِي فِيهِ اللُّغَةُ الْأُخْرَى‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، بَطَلَ اعْتِلَالُهُ لِقَوْلِهِ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ ذَلِكَ بِمَنْـزِلَةِ ‏"‏هَلُمَّ ‏"‏و ‏"‏تَعَال‏"‏ و ‏"‏ أَقْبِلْ ‏"‏، لِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ هِيَ أَلْفَاظٌ مُخْتَلِفَةٌ، يَجْمَعُهَا فِي التَّأْوِيلِ مَعْنَى وَاحِدٌ‏.‏ وَقَدْ أَبْطَلَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي حَكَيْنَا قَوْلَهُ، اجْتِمَاعَ اللُّغَاتِ السَّبْعِ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنَ الْقُرْآنِ‏.‏ فَقَدْ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ إِفْسَادُ حُجَّتِهِ لِقَوْلِهِ بِقَوْلِهِ، وَإِفْسَادُ قَوْلِهِ لِحُجَّتِهِ‏.‏

قِيلَ لَهُ‏:‏ لَيْسَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ بِوَاحِدٍ مِنَ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْتَ‏.‏ بَلِ الْأَحْرُفُ السَّبْعَةُ الَّتِي أَنْـزَلَ اللَّهُ بِهَا الْقُرْآنَ، هُنَّ لُغَاتٌ سَبْعٌ، فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، بِاخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ وَاتِّفَاقِ الْمَعَانِي، كَقَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ هَلُمَّ، وأَقْبِلْ، وَتَعَالَ، وَإِلَيَّ، وَقَصْدِي، وَنَحْوِي، وَقُرْبِي، وَنَحْوَ ذَلِكَ، مِمَّا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَلْفَاظُ بِضُرُوبٍ مِنَ الْمَنْطِقِ وَتَتَّفِقُ فِيهِ الْمَعَانِي، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ بِالْبَيَانِ بِهِ الْأَلْسُنُ، كَالَّذِي رَوَيْنَا آنِفًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَمَّنْ رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَنَّ ذَلِكَ بِمَنْـزِلَةِ قَوْلِكَ‏:‏ ‏"‏هَلُمَّ وَتَعَالَ وأَقْبِلْ ‏"‏، وَقَوْلِهِ ‏"‏مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا زَقْيَةً ‏"‏، و ‏"‏إِلَّا صَيْحَة ‏"‏‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَفِي أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ نَجِدُ حَرْفًا وَاحِدًا مَقْرُوءًا بِلُغَاتٍ سَبْعٍ مُخْتَلِفَاتِ الْأَلْفَاظِ، مُتَّفِقَاتِ الْمَعْنَى، فَنُسَلِّمُ لَكَ صِحَّةَ مَا ادَّعَيْتَ مِنَ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ إِنَّا لَمْ نَدَّعِ أَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ الْيَوْمَ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَنَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏أُنْـزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُف‏)‏، عَلَى نَحْوِ مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُنَاهَا‏.‏ وَهُوَ مَا وَصَفْنَا، دُونَ مَا ادَّعَاهُ مُخَالِفُونَا فِي ذَلِكَ، لِلْعِلَلِ الَّتِي قَدْ بَيَّنَا‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَمَا بَالُ الْأَحْرُفِ الْأُخَرِ السِّتَّةِ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ، إِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْتَ، وَقَدْ أَقْرَأَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ، وَأَمَرَ بِالْقِرَاءَةِ بِهِنَّ، وَأنْزَلَهُنَّ اللَّهُ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ أَنُسِخَتْ فَرُفِعَتْ، فَمَا الدَّلَالَةُ عَلَى نَسْخِهَا وَرَفْعِهَا‏؟‏ أَمْ نَسِيَتْهُنَّ الْأُمَّةُ، فَذَلِكَ تَضْيِيعُ مَا قَدْ أُمِرُوا بِحِفْظِهِ‏؟‏ أَمْ مَا الْقِصَّةُ فِي ذَلِكَ‏؟‏

قِيلَ لَهُ‏:‏ لَمْ تُنْسَخْ فَتُرْفَعْ، وَلَا ضَيَّعَتْهَا الْأُمَّةُ وَهِيَ مَأْمُورَةٌ بِحِفْظِهَا‏.‏ وَلَكِنَّ الْأُمَّةَ أُمِرَتْ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ، وَخُيِّرَتْ فِي قِرَاءَتِهِ وَحِفْظِهِ بِأَيِّ تِلْكَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ شَاءَتْ‏.‏ كَمَا أُمِرَتْ، إِذَا هِيَ حَنِثَتْ فِي يَمِينٍ وَهِيَ مُوسِرَةٌ، أَنْ تُكَفِّرَ بِأَيِّ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ شَاءَتْ‏:‏ إِمَّا بِعِتْقٍ، أَوْ إِطْعَامٍ، أَوْ كُسْوَةٍ‏.‏ فَلَوْ أَجْمَعَ جَمِيعُهَا عَلَى التَّكْفِيرِ بِوَاحِدَةٍ مِنَ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ، دُونَ حَظْرِهَا التَّكْفِيرَ بِأَيِّ الثَّلَاثِ شَاءَ الْمُكَفِّرُ، كَانَتْ مُصِيبَةً حُكْمَ اللَّهِ، مُؤَدِّيَةً فِي ذَلِكَ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ‏.‏ فَكَذَلِكَ الْأُمَّةُ، أُمِرَتْ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتِهِ، وَخُيِّرَتْ فِي قِرَاءَتِهِ بِأَيِّ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ شَاءَتْ‏:‏ فَرَأَتْ- لِعِلَّةٍ مِنَ الْعِلَلِ أَوْجَبَتْ عَلَيْهَا الثَّبَاتَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ- قِرَاءَتَهُ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ، وَرَفْضَ الْقِرَاءَةِ بِالْأَحْرُفِ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ، وَلَمْ تَحْظُرْ قِرَاءَتَهُ بِجَمِيعِ حُرُوفِهِ عَلَى قَارِئِهِ، بِمَا أُذِنَ لَهُ فِي قِرَاءَتِهِ بِهِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ وَمَا الْعِلَّةُ الَّتِي أَوْجَبَتْ عَلَيْهَا الثَّبَاتَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ دُون سَائِر الْأَحْرُفِ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ زَيْدٍ، قَالَ‏:‏ لِمَا قُتِلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمَامَةِ، دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمَامَةِ تَهَافَتُوا تَهَافُتَ الْفَرَاشِ فِي النَّارِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا مَوْطِنًا إِلَّا فَعَلُوا ذَلِكَ حَتَّى يُقتَلُوا- وَهُمْ حَمَلَةُ الْقُرْآنِ- فَيَضِيعَ الْقُرْآنُ وَيُنْسَى‏.‏ فَلَوْ جَمَعْتَهُ وَكَتَبْتَهُ‏!‏ فَنَفَرَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ‏:‏ أَفْعَلُ مَا لَمْ يَفْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏!‏ فَتَرَاجَعَا فِي ذَلِكَ‏.‏ ثُمَّ أَرْسَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ زَيْدٌ‏:‏ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَعُمْر مُحْزَئِلٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ إِنَّ هَذَا قَدْ دَعَانِي إِلَى أَمْرٍ فَأَبَيْتُ عَلَيْهِ، وَأَنْتَ كَاتِبُ الْوَحْيِ‏.‏ فَإِنْ تَكُنْ مَعَهُ اتَّبَعَتْكُمَا، وَإِنْ تُوَافِقْنِي لَا أَفْعَلُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَاقْتَصَّ أَبُو بَكْرٍ قَوْلَ عُمْرَ، وَعُمْرُ سَاكِتٌ، فَنَفَرْتُ مِنْ ذَلِكَ وَقُلْتُ‏:‏ نَفْعَلُ مَا لَمْ يَفْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏!‏ إِلَى أَنْ قَالَ عُمْرُ كَلِمَةً‏:‏ ‏"‏وَمَا عَلَيْكُمَا لَوْ فَعَلْتُمَا ذَلِكَ‏؟‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ فَذَهَبْنَا نَنْظُرُ، فَقُلْنَا‏:‏ لَا شَيْءَ وَاللَّهِ‏!‏ مَا عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ شَيْءٌ‏!‏ قَالَ زَيْدٌ‏:‏ فَأَمَرَنِي أَبُو بَكْرٍ فَكَتَبْتُهُ فِي قِطَعِ الْأَدَمِ وَكِسَرِ الْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ‏.‏

فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمْرُ كَتَبَ ذَلِكَ فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ‏.‏ فَلَمَّا هَلَكَ، كَانَتِ الصَّحِيفَةُ عِنْدَ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ ثُمَّ إِنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةٍ كَانَ غَزَاهَا بِمَرْجِ أَرْمِينِيَّةَ فَلَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ حَتَّى أَتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ‏:‏ أُدْرِكِ النَّاسَ‏!‏ فَقَالَ عُثْمَانُ‏:‏ ‏"‏وَمَا ذَاكَ‏؟‏ ‏"‏قَالَ غَزَوْتُ مَرْجَ أَرْمِينِيَّةَ، فَحَضَرَهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ وَأَهْلُ الشَّامِ، فَإِذَا أَهْلُ الشَّامِ يَقْرَءُونَ بِقِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَيَأْتُونَ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ أَهْلُ الْعِرَاقِ، فَتُكَفِّرُهُمْ أَهْلُ الْعِرَاقِ‏.‏ وَإِذَا أَهْلُ الْعِرَاقِ يَقْرَءُونَ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَيَأْتُونَ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ بِهِ أَهْلُ الشَّامِ، فَتُكَفِّرُهُمْ أَهْلُ الشَّامِ‏.‏ قَالَ زَيْدُ‏:‏ فَأَمَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَكْتُبُ لَهُ مُصْحَفًا، وَقَالَ‏:‏ إِنِّي مُدْخِلٌ مَعَك رَجُلًا لَبِيبًا فَصِيحًا، فَمَا اجْتَمَعْتُمَا عَلَيْهِ فَاكْتُبَاهُ، وَمَا اخْتَلَفْتُمَا فِيهِ فَارْفَعَاهُ إِلَيَّ‏.‏ فَجَعَلَ مَعَهُ أَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ‏:‏ فَلَمَّا بَلَغْنَا‏)‏ ‏{‏إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْبَقَرَةِ‏:‏ 248‏]‏ قَالَ‏:‏ زَيْدٌ فَقُلْتُ‏:‏ ‏"‏التَّابُّوه‏"‏ وَقَالَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ‏:‏ ‏"‏التَّابُوتُ ‏"‏، فَرَفَعْنَا ذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ فَكَتَبَ‏:‏ ‏"‏التَّابُوتُ ‏"‏ قَالَ‏:‏ فَلَمَّا فَرَغْتُ عَرَضْتُهُ عَرْضَةً، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْأَحْزَابِ‏:‏ 23‏]‏ قَالَ‏:‏ فَاسْتَعْرَضْتُ الْمُهَاجِرِينَ أَسْأَلُهُمْ عَنْهَا، فَلَمْ أَجِدْهَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ اسْتَعْرَضْتُ الْأَنْصَارَ أَسْأَلُهُمْ عَنْهَا، فَلَمْ أَجِدْهَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ،، حَتَّى وَجَدْتُهَا عِنْدَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، فَكَتَبْتُهَا، ثُمَّ عَرَضْتُهُ عَرْضَةً أُخْرَى، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ التَّوْبَةِ‏:‏ 128‏]‏ فَاسْتَعْرَضْتُ الْمُهَاجِرِينَ، فِلْم أَجِدْهَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ اسْتَعْرَضْتُ الْأَنْصَارَ أَسْأَلُهُمْ عَنْهَا فَلَمْ أَجِدْهَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، حَتَّى وَجَدْتُهَا مَعَ رَجُلٍ آخَرَ يُدْعَى خُزَيْمَةَ أَيْضًا، فَأَثْبَتُّهَا فِي آخِرِ ‏"‏بَرَاءَة ‏"‏، وَلَوْ تَمَّتْ ثَلَاثَ آيَاتٍ لَجَعَلْتُهَا سُورَةً عَلَى حِدَةٍ‏.‏ ثُمَّ عَرَضْتُهُ عَرْضَةً أُخْرَى، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ شَيْئًا، ثُمَّ أَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ يَسْأَلُهَا أَنْ تُعْطِيَهُ الصَّحِيفَةَ، وَحَلَفَ لَهَا لَيَرُدَّنَّهَا إِلَيْهَا فَأَعْطَتْهُ إِيَّاهَا، فَعَرَضَ الْمُصْحَفَ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي شَيْءٍ‏.‏ فَرَدَّهَا إِلَيْهَا، وَطَابَتْ نَفْسُهُ، وَأَمْرَ النَّاسَ أَنْ يَكْتُبُوا مَصَاحِفَ‏.‏ فَلَمَّا مَاتَتْ حَفْصَةُأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيفَةِ بِعَزْمَة، فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا فَغَسَلَتْ غَسْلًا‏.‏

وَحَدَّثَنِي أَيْضًا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا نَعِيمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، بِنَحْوِهِ سَوَاءً‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، قَالَ‏:‏ لَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، جَعَلَ الْمُعَلِّمُ يُعَلِّمُ قِرَاءَةَ الرَّجُلِ، وَالْمُعَلِّمُ يُعَلِّمُ قِرَاءَةَ الرَّجُلِ، فَجَعَلَ الْغِلْمَانُ يَلْتَقُونَ فَيَخْتَلِفُونَ، حَتَّى ارْتَفَعَ ذَلِكَ إِلَى الْمُعَلِّمِينَ- قَالَ أَيُّوبُ‏:‏ فَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ- ‏:‏ حَتَّى كَفَرَ بَعْضُهُمْ بِقِرَاءَةِ بَعْضٍ‏.‏ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ، فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ‏:‏ ‏(‏أَنْتُمْ عِنْدِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَتُلْحِنُونَ، فَمَنْ نَأَى عَنِّي مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ أَشَدُّ فِيهِ اخْتِلَافًا وَأَشَدُّ لَحْنًا‏.‏ اجْتَمِعُوا يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، فَاكْتُبُوا لِلنَّاسِ إِمَامًا ‏"‏‏.‏ قَالَ أَبُو قِلابَةَ، فَحَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ كُنْتُ فِيمَنْ يُمْلَى عَلَيْهِمْ، قَالَ‏:‏ فَرُبَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْآيَةِ فَيَذْكُرُونَ الرَّجُلَ قَدْ تَلَقَّاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ غَائِبًا أَوْ فِي بَعْضِ الْبَوَادِي، فَيَكْتُبُونَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، وَيَدَعُونَ مَوْضِعَهَا، حَتَّى يَجِيءَ أَوْ يُرْسَلَ إِلَيْهِ‏.‏ فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمُصْحَفِ، كَتَبَ عُثْمَانُ إِلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ‏:‏ ‏"‏إِنِّي قَدْ صَنَعْتُ كَذَا وَكَذَا، وَمَحَوْتُ مَا عِنْدِي، فَامْحُوَا مَا عِنْدَكُمْ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ‏:‏ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي غَزْوَةِ أَذْرَبِيجَانَ وَأَرْمِينِيَّةَ أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، فَتَذَاكَرُوا الْقُرْآنَ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ حَتَّى كَادَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ فِتْنَةٌ‏.‏ فَرَكِبَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ- لَمَّا رَأَى اخْتِلَافَهُمْ فِي الْقُرْآنِ- إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏إِنَّ النَّاسَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْقُرْآنِ، حَتَّى إِنِّي وَاللَّهِ لِأَخْشَى أَنْ يُصِيبَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ الِاخْتِلَافِ ‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ فَفَزِعَ لِذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا، فَأَرْسَلَ إِلَى حَفْصَةَ فَاسْتَخْرَجَ الصُّحُفَ الَّتِي كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَمَرَ زَيْدًا بِجَمْعِهَا، فَنَسَخَ مِنْهَا مَصَاحِفَ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْآفَاقِ‏.‏

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ‏:‏ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنِ الْقُرْآنُ جُمِعَ، وَإِنَّمَا كَانَ فِي الْكَرَانِيفِ وَالْعُسُبِ‏.‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ صَعْصَعَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ وَرَّثَ الْكَلَالَةَ وَجَمَعَ الْمُصْحَفَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي يَطُولُ بِاسْتِيعَابِ جَمِيعِهَا الْكِتَابُ، وَالْآثَارُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْن عَفَّانَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، جَمَعَ الْمُسْلِمِينَ- نَظَرًا مِنْهُ لَهُمْ، وَإِشْفَاقًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ، وَرَأْفَةً مِنْهُ بِهِمْ، حِذَارَ الرِّدَّةِ مِنْ بَعْضِهِمْ بَعْدَ الْإِسْلَامَ، وَالدُّخُولِ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، إِذْ ظَهَرَ مِنْ بَعْضِهِمْ بِمَحْضَرِهِ وَفِي عَصْرِهِا لتَّكْذِيبُ بِبَعْضِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَـزَلَ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ، مَعَ سَمَاعِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيَ عَنِ التَّكْذِيبِ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَإِخْبَارِهِ إِيَّاهُمْ أَنَّ الْمِرَاءَ فِيهَا كُفْرٌ- فَحَمَلَهُمْ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، إِذْ رَأَى ذَلِكَ ظَاهِرًا بَيْنَهُمْ فِي عَصْرِهِ، وَلِحَدَاثَةِ عَهْدِهِمْ بِنُـزُولِ الْقُرْآنِ، وَفِرَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ بِمَا أَمِنَ عَلَيْهِمْ مَعَهُ عَظِيمَ الْبَلَاءِ فِي الدِّينِ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ- عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ‏.‏

وَجَمَعَهُمْ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ، وَحَرْفٍ وَاحِدٍ، وَخَرَّقَ مَا عَدَا الْمُصْحَفِ الَّذِي جَمَعَهُمْ عَلَيْهِ‏.‏ وَعَزَمَ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مُصْحَفٌ مُخَالِفٌ الْمُصْحَفَ الَّذِي جَمَعَهُمْ عَلَيْهِ، أَنْ يَخْرِقَهُ‏.‏ فَاسْتَوْسَقَتْ لَهُ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ بِالطَّاعَةِ وَرَأَتْ أَنَّ فِيمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ الرُّشْدَ وَالْهِدَايَةَ، فَتَرَكَتِ الْقِرَاءَةَ بِالْأَحْرُفِ السِّتَّةِ الَّتِي عَزَمَ عَلَيْهَا إِمَامُهَا الْعَادِلُ فِي تَرْكِهَا، طَاعَةً مِنْهَا لَهُ، وَنَظَرًا مِنْهَا لِأَنْفُسِهَا وَلِمَنْ بَعْدَهَا مِنْ سَائِرِ أَهْلِ مِلَّتِهَا، حَتَّى دَرَسَتْ مِنَ الْأُمَّةِ مَعْرِفَتُهَا، وَتَعَفَّتْ آثَارُهَا، فَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ الْيَوْمَ إِلَى الْقِرَاءَةِ بِهَا، لِدُثُورِهَا وَعُفُوِّ آثَارِهَا، وَتَتَابُعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَفْضِ الْقِرَاءَةِ بِهَا، مِنْ غَيْرِ جَحُودٍ مِنْهَا صِحَّتَهَا وَصِحَّةَ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَكِنْ نَظَرًا مِنْهَا لِأَنْفُسِهَا وَلِسَائِرِ أَهْلِ دِينِهَا‏.‏ فَلَا قِرَاءَةَ لِلْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ إِلَّا بِالْحَرْفِ الْوَاحِدِ الَّذِي اخْتَارَهُ لَهُمْ إِمَامُهُمُ الشَّفِيقُ النَّاصِحُ، دُونَ مَا عَدَاهُ مِنَ الْأَحْرُفِ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ بَعْضُ مَنْ ضَعُفَتْ مَعْرِفَتُهُ‏:‏ وَكَيْفَ جَازَ لَهُمْ تَرْكُ قِرَاءَةٍ أَقْرَأَهُمُوهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُمْ بِقِرَاءَتِهَا‏؟‏

قِيلَ‏:‏ إِنَّ أَمْرَهُ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَمْرَ إِيجَابٍ وَفَرْضٍ، وَإِنَّمَا كَانَ أَمْرَ إِبَاحَةٍ وَرُخْصَةٍ‏.‏ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِهَا لَوْ كَانَتْ فَرْضًا عَلَيْهِمْ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْ تِلْكَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ، عِنْدَ مَنْ تَقُومُ بِنَقْلِهِ الْحُجَّةُ، وَيَقْطَعُ خَبَرُهُ الْعُذْرَ، وَيُزِيلُ الشَّكَّ مِنْ قَرَأةِ الْأُمَّةِ‏.‏ وَفِي تَرْكِهِمْ نَقْلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ بِهَا مُخَيَّرِينَ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ فِي نَقْلَةِ الْقُرْآنِ مِنَ الْأُمَّةِ مَنْ تَجِبُ بِنَقْلِهِ الْحُجَّةُ بِبَعْضِ تِلْكَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنَ الْقَوْمُ بِتَرْكِهِمْ نَقَلَ جَمِيعِ القراءاتِ السَّبْعِ، تَارِكِينَ مَا كَانَ عَلَيْهِمْ نَقْلُهُ، بَلْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفِعْلِ مَا فَعَلُوا‏.‏ إِذْ كَانَ الَّذِي فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ، كَانَ هُوَ النَّظَرَ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ‏.‏ فَكَانَ الْقِيَامُ بِفِعْلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ، بِهِمْ أُولَى مِنْ فِعْلِ مَا لَوْ فَعَلُوهُ، كَانُوا إِلَى الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ أَقْرَبَ مِنْهُمْ إِلَى السَّلَامَةِ، مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ اخْتِلَافِ الْقِرَاءَةِ فِي رَفْعِ حَرْفٍ وَجَرِّهِ وَنَصْبِهِ، وَتَسْكِينِ حَرْفٍ وَتَحْرِيكِهِ، وَنَقْلِ حَرْفٍ إِلَى آخَرَ مَعَ اتِّفَاقِ الصُّورَةِ، فَمِنْ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُف‏)‏- بِمَعْزِلٍ‏.‏ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا حَرْفَ مِنْ حُرُوفِ الْقُرْآنِ- مِمَّا اخْتَلَفَتِ الْقِرَاءَةُ فِي قِرَاءَتِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى- يُوجِبُ الْمِرَاءُ بِهِ كُفْرَ الْمُمَارِي بِهِ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ‏.‏ وَقَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْمِرَاءِ فِيهِ الْكُفْرَ، مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي تَنَازَعَ فِيهِ الْمُتَنَازِعُونَ إِلَيْهِ، وَتَظَاهَرَتْ عَنْهُ بِذَلِكَ الرِّوَايَةُ عَلَى مَا قَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ‏:‏ فَهَلْ لَكَ مَنْ عِلْمٍ بِالْأَلْسُنِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَـزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ‏؟‏ وَأَيُّ الْأَلْسُنِ هِيَ مِنَ أَلْسُنِ الْعَرَبِ‏؟‏

قُلْنَا‏:‏ أَمَّا الْأَلْسُنُ السِّتَّةُ الَّتِي قَدْ نَـزَلَتِ الْقِرَاءَةُ بِهَا، فَلَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى مَعْرِفَتِهَا، لِأَنَّا لَوْ عَرَّفْنَاهَا لَمْ نَقْرَإ الْيَوْمَ بِهَا مَعَ الْأَسْبَابِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا‏.‏ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ خَمْسَةً مِنْهَا لعَجُرُ هَوَازِنَ، وَاثْنَيْنِ مِنْهَا لِقُرَيْشٍ وَخُزَاعَةَ‏.‏ رُوِيَ جَمِيعُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَيْسَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِنَقْلِهِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ‏:‏ ‏"‏أَنَّ خَمْسَةً مِنْهَا مِنْ لِسَانِ الْعَجْزِ مِنْ هَوَازِنَ ‏"‏، الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَأَنَّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ‏:‏ ‏"‏ أَنَّ اللِّسَانَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِسَانُ قُرَيْشٍ وَخُزَاعَةَ ‏"‏، قَتَادَةُ، وقَتَادَةُ لَمْ يَلْقَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ‏.‏

حَدَّثَنِي بِذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ نَصْرٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عُدَيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ نَـزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ وَلِسَانِ خُزَاعَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ وَاحِدَةٌ‏.‏

وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْأُسُودِ الدُّئَلِيِّ، قَالَ‏:‏ نَـزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ الْكَعْبَيْنِ‏:‏ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو وَكَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ‏.‏ فَقَالَ خَالِدُ بْنُ سَلَمَةَ لِسَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ أَلَّا تَعْجَبُ مِنْ هَذَا الْأَعْمَى‏!‏ يَزْعُمُ أَنَّ الْقُرْآنَ نَـزَلَ بِلِسَانِ الْكَعْبَيْنِ، وَإِنَّمَا أُنْـزِلَ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ‏!‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالْعَجْزُ مِنْ هَوَازِنَ‏:‏ سَعْدُ بْنُ بَكْرٍ، وَجَشْمُ بْنُ بَكْرٍ، وَنَصْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَثَقِيفٌ‏.‏

وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ ذَكَرَ نُـزُولَ الْقُرْآنِ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏:‏ إِنْ كُلَّهَا شَافٍ كَافٍ- فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي صِفَةِ الْقُرْآنِ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ يُونُسَ‏:‏ 57‏]‏، جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ شِفَاءً، يَسْتَشْفُونَ بِمَوَاعِظِهِ مَنَ الْأَدْوَاء الْعَارِضَةِ لِصُدُورِهِمْ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ وَخَطَرَاتِهِ، فَيَكْفِيهِمْ وَيُغْنِيهِمْ عَنْ كُلِّ مَا عَدَاهُ مِنَ الْمَوَاعِظِ بِبَيَانِ آيَاتِهِ‏.‏